لعبة الأثلاث: بين التبرم الفرنسي والتململ السوري

TT

إذا صح القول إن تحسس النظام السوري من أي مبادرات أمريكية تجاه حل الأزمة اللبنانية يمكن فهمه في السياق التحالفي العام، الذي أسسته سوريا مؤخراً، منذ أن هبت رياح أهوائها السياسية باتجاه بلاد فارس وبعيداً عن السياق العربي، الذي جرت سواقيه بمياه جديدة؛ فإن ما لا يمكن فهمه على الأقل لمن يتأمل اللعبة السياسية في رتمها المتحرك البراغماتي، هو الإصرار السوري على تعميق الفجوة مع المجتمع الدولي ودول الاعتدال العربي في ما يخص المسألة اللبنانية، فالإشارات السلبية لا يزال إرسالها من دمشق، وآخرها التجاذب الدبلوماسي مع فرنسا الذي بلغ مداه بتهديد الرئيس الفرنسي «المتحمس» ساركوزي باتخاذ عمل مناهض لسوريا بسبب دورها المفترض في عرقلة انتخاب رئيس جديد في لبنان، بل وأبدى استعداد بلاده لتمويل تكاليف تشكيل المحكمة الدولية، التي تم انشاؤها تحت إشراف الأمم المتحدة، من اجل محاكمة اولئك المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تبع ذلك من سلسلة اغتيالات سياسية في لبنان.

هذا التبرم في المزاج السياسي الفرنسي جاء بعد اسابيع من جهود مكثفة من أجل أن تظفر فرنسا بنجاح مبادرتها للخروج من المأزق اللبناني الحالي، حيث أرسل ساركوزي عددا من كبار مستشاري الشؤون السياسية الخارجية الى دمشق، من دون جدوى تذكر.

في اعتقادي أن إشكالية «الثمن» السياسي هي حجر الزاوية في ممانعة النظام السوري وحلفائه في لبنان، ومثل هذا الثمن يأتي عبر مفاوضات ودبلوماسية نشيطة، وليس من خلال تصريحات حادة، وفي التفاصيل فإن انتخاب العماد ميشيل سليمان، الرجل الذي تعرفه دمشق جيداً (تم تعيينه إبان الوصاية السوريا) لا يشكل ثمناً يمكن التفاوض عليه من وجهة النظر السوريا، بل هناك روزنامة من الشروط الأساسية تبدأ بإصلاح قانون الانتخابات، إضافة إلى الموافقة المسبقة على تركيبة الحكومة من خلال إعطاء ثلث المقاعد للمعارضة وصولاً إلى قائد الجيش الذي سيخلف سليمان، وهي شروط ثقيلة من شأنها من وجهة نظر الموالاة وكثير من المحللين المعنيين بالشأن اللبناني أن تؤدي إلى «عملقة» حزب الله في الواقع السوري، كقوة مهيمنة ومرعبة في آن واحد.

القمة العربية في مارس المقبل فرصة سوريا الكبرى لرأب تصدعها في التواصل مع دول الاعتدال والتأثير في المنطقة، عبر إرسال إشارات واضحة ومطمئنة كبادرة جديدة، بعد أن اعتاد الجميع على الإيغال في الخصومة للالتفاف على حالة «العزلة» العربية التي تعيشها دمشق، لاسيما أن بادرة كهذه مطلوبة الآن أكثر مما مضى، في ظل التذمر الأوروبي من صلف الموقف السوري تجاه الحالة اللبنانية، لاسيما أن الأوروبيين ما زالوا الأكثر حضوراً في تنمية الاقتصادي السوري. كما هي مطلوبة في ظل انشغال إيران القابل للازدياد بذاتها في ظل انقسام الداخل حول أداء الرئيس الإيراني.

ومن هنا فإن احتياج سوريا إلى إعادة الدفء لعلاقاتها بالأنظمة العربية والمجتمع الدولي أكثر مما تظنه سوريا احتياجاً دولياً لدورها المهم والمؤثر في لبنان.. الفراغ الذي يراد للبنان أن يعيش فيه ليس من مصلحة المنطقة حتى لو كان أداة لبقاء الحال، ألم يقل بسام حجار الشاعر اللبناني الجميل ذات احتجاج: «لعبة الأثلاث مسليّة لممتهنيها. لكنّها غير مسليّة للناس».

[email protected]