فيلم رائع

TT

الصورة عموما والسينما تحديدا، باتت أحد أهم عناصر ووسائل التأثير الثقافي والاقتصادي بلا جدال. وهناك العديد من مراكز صناعة السينما حول العالم، التي تؤكد هذه المقولة على أرض الواقع. فهوليوود لها الثقل الهائل المعروف وأثرها ظاهر على العالم، وكذلك «بولي وود» كما يطلق على السينما الهندية وهي الأكبر عالميا، وهناك كوريا الجنوبية التي تعتبر قلب الصناعة السينمائية لمنطقة جنوب شرق آسيا. وعربيا كانت القاهرة تقليديا هي المركز، وأصيب هذا المركز بانتكاسة حادة وشديدة، وبعد خروج القطاع العام من عنصر الانتاج ودخول رأس المال الخاص في ذلك، شهدت السينما المصرية حراكا مهما في السنوات الأخيرة، يعتمد على وجود النص والجرأة والبذخ في الانتاج ليقدم بأحسن وسائل التقنية الحديثة.

ويعرض على الشاشة المصرية حاليا، واحد من أهم الافلام العربية في تاريخ السينما، وهو فيلم «حين ميسرة»، وهو يحكي بشكل قوي جدا ومؤثر للغاية، وضع المناطق العشوائية في مصر، وتحديدا في القاهرة، ويربط فيها قضايا الفساد والإرهاب والفقر والتسلط والدعارة والمخدرات بشكل مدهش وغير مسبوق. ويوضح الفيلم كيف أن ظاهرة العشوائيات (وهي التي بدأت إبان عهد عبد الناصر حين أحاط القاهرة بسياج من سكن العمال المهجرين، من قرى مصر المختلفة) لتكبر هذه الأحياء العشوائية بلا رقابة، وفي جو اسطوري لا يخضع لسلطة دولة، ولا دين ولا ضمير حتى أن كل شيء اصبح مباحا.

واقع الأمر أن هذه الأحياء، وبحسب الواقع، وبحسب ما وضحه الفيلم بامتياز، تحولت الى حزام ناسف حول خاصرة القاهرة، وهو جاهز للانفجار اذا اينعت الفرصة لذلك، وهو سيناريو مرعب وخطير، وما ينطبق على القاهرة ينطبق على غيرها من المدن العربية، التي لديها نفس الظواهر هذه. مناطق لا تستطيع أجهزة الأمن الدخول اليها، ولا التعامل مع أهلها، مناطق لها قوانين وأنظمة وأعراف غير سائر البلاد. الفيلم شديد القسوة وشديد الكآبة وشديد السوداوية، ولكنه واقعي جدا، وحقيقي جدا، وصادق جدا، وهذا سر نجاحه المبهر والمفاجئ.

وأي مسؤول لديه ذرة صدق ويشاهد هذا الفيلم بضمير، لا يمكن أنه يستطيع النوم ليلا بارتياح وأمان.

فيلم «حين ميسرة» أهم عمل سينمائي عربي منذ سنوات طويلة، وهو رسالة دكتوراه مركزة في ساعتين عن حال الاجتماع الاقتصادي وفشله الذريع، وتحويل جزء من المجتمع إلى قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار.

الفيلم وصناعة السينما ممكن أن تكون أداة اصلاح وتوعية هائلة و«حين ميسرة» يثبت ذلك، ويدحض السخف والسذاجة، التي يتعامل بها الذين يطالبون بمنع هذا النوع من أدوات الترفيه والتطوير.