البرود والسوق الخليجية المشتركة

TT

في قمة الدوحة لمجلس التعاون الخليجي التي عقدت الشهر الماضي، أعلن عن انطلاقة السوق الخليجية المشتركة، ولقد كان القرار بداية مبشرة لعام اقتصادي ووحدوي خليجي من نوع خاص.

بداية العام 2008 هي بداية انطلاقة السوق الخليجية المشتركة، وهي مسألة لم تكن عادية بأي حال من الأحوال، أكثر من ثلاثين مليون خليجي بإجمالي ناتج اقتصادي بلغ عام 2006 أكثر من سبعمائة بليون دولار، وموقع استراتيجي تجاري فريد، فمنطقة الخليج تعتبر قلب العالم، وتعتبر حلقة وصل مفصلية بين الشرق والغرب، وما زالت الأكثر أهمية من حيث احتياطي البترول الذي يعادل أكثر من نصف الاحتياطي العالمي، والسوق المشتركة تعني توحيد القوانين التجارية العامة وحرية تنقل رؤوس الأموال الخليجية وتوحيد قوانين الاستثمار للخليجيين في أي بلد خليجي مما سيعزز من التجارة البينية ويرفع معدلاتها. هذا باختصار معنى السوق المشتركة. وقرار السوق تمهيد منطقي للتحضير للعملة الخليجية الموحدة التي تنطلق العام 2010، وهو قرار اقتصادي يترجم ـ نظريا ـ لب شعار «التعاون الاقتصادي» الذي يرفعه مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ومع هذا، مر هذا الحدث الهام ـ وهو بلا شك لا يزال الحدث الأهم خليجيا ـ مرور الكرام، لا بل أبالغ إن قلت انه قوبل ببرود لا يليق بأهمية المناسبة. فلا مقالات تمجيد، ولا كتابات إشادة وتبشير، ولا تحليلات وبرامج إعلامية خاصة تسبق عادة مثل هذه المناسبات التاريخية، وخصوصا أن إعلامنا يستقبل بالترحاب والحفاوة والكرم أحداثا لا قيمة لها تتعلق بالبروتوكولات وبعض الزيارات، ولكنه مر على هذا الحدث وتناوله ضمن نشرات الأخبار وكأنه خبر عادي يتعلق بانضمام مالطا وقبرص للعملة الأوروبية الموحدة، لا بل إنها ليست مبالغة القول ان تناول انضمام قبرص ومالطا لليورو التي تزامنت مع انطلاقة السوق نال من الاهتمام الإعلامي أكثر مما ناله انطلاقة السوق الخليجية المشتركة. فلماذا؟  تبادر إلى ذهني عدة احتمالات:

تكرر الحديث عن التنسيق والجهود الخليجية والشعارات الطموحة التي لا تلقى ترجمة على الأرض، فلماذا يستبشر الخليجي أكثر هذه المرة، وهو الذي لا يزال طنين قرارات سابقة يصم أذنيه دون ترجمة حقيقية لها على الأرض. بمعنى أن الإنسان الخليجي مل من كثرة القرارات، وقلة الإنجازات. وللتدليل على ما أقول، يكفي أن تعبر الحدود بين دولتين خليجيتين لتعرف أن الإنسان في واد وقرارات المجلس بواد آخر.

فكرت لعل انعدام الحماس للسوق المشتركة مرتبط بالأولويات، فالمنطقة متوترة، والخليج لا يزال مرشحا لحرب قادمة بين إيران والولايات المتحدة ـ وربما آخرين، فلماذا تفرح بسوق مشتركة قد يكون الحديث عنها من الخيال حين تشتعل أوار الحرب ـ لا قدر الله، ترى! أهي القراءة المتشائمة للإنسان الخليجي في إقليم تكررت فيه الحروب وأنهكته ويلاتها؟

الاحتمال الآخر لهذا التجاهل الخليجي الشعبي هو الجهل بما يدور ويجري، وإن صح هذا الاحتمال فاللوم على المؤسسات الرسمية الخليجية ـ وبالذات الإعلامية منها: فلا ندوات تثقيفية، ولا محاضرات، ولا بروشورات، ولا حملة إعلامية منظمة تشرح معنى السوق المشتركة وتبعاتها ومعناها وانعكاساتها على حياة الإنسان الخليجي. سألت مسؤولا في إحدى وزارات المال الخليجية عن الإجراءات التي طلبت منكم تنفيذا للقرار، فكان جوابه «لا شيء بالمرة»!! فإذا كان مسؤول في وزارة معنية في إحدى دول المجلس المعنية بالسوق لا يدري ما عليه فعله تنفيذا للقرار، فما بالك بالمواطن الخليجي العادي، ولماذا نتوقع منه أن يكون مدركا لما لم يدركه من هو مسؤول عن السوق المشتركة ومتابعة تنفيذ قرار القمة لها؟

السوق الخليجية حدث تاريخي هام، شريطة ترجمته على أرض الواقع، وإلا، فلا لوم على برود الإنسان الخليجي في استقباله هذا الحدث.