باكستان: منطلق حرب عالمية ثالثة!

TT

اصاب اغتيال بي نظير بوتو، «المشروع الاميركي الجديد» لباكستان في مقتل. كان المشروع يقضي بأن تكون بوتو رئيسة للحكومة الى جانب الرئيس مشرف، بعد الانتخابات النيابية، ضمن جبهة سياسية واحدة تضم العسكر والحزبين «الديموقراطيين» أو أحدهما، للوقوف في وجه الموجة الاسلامية الصاعدة، الداعمة لتنظيم «القاعدة» ولطالبان، والداعية الى الاطاحة بالرئيس مشرف. ومن هنا يفهم استعجال واشنطن، وعواصم غربية عدة، في اعلان دعمها للرئيس مشرف مقرونا بدعوته الى ادخال مزيد من الديموقراطية في حكمه.

ولكن اذا كان هذا هو الموقف «المنطقي» او المبدئي الوحيد للدول الغربية

والمجتمع الدولي، فهل ترجمته في الواقع الباكستاني الراهن، سهلة، او حتى ممكنة؟

ان الديموقراطية، نظريا، تعالج وتحل مشاكل الحكم والمجتمعات بأقل ما يمكن من الاخطار والخسائر، ولكن من يقنع قبائل وزيرستان، والجماعات الاسلامية المتطرفة بالخيار الديموقراطي؟ من يقنع شعبا هويته إما قبلية

وإما دينية، باختيار الحل الوطني الديموقراطي؟ مَنْ يقنع قادة وضباط الجيش الباكستاني الذين حكموا باكستان عدة مرات، بان يتخلوا عن سلطتهم وامتيازاتهم، لسياسيين مدنيين تحوم حولهم شبهات الفساد، او للجماعات الدينية المتطرفة؟

صحيح ان الرئيس مشرف لا يستطيع حكم باكستان دكتاتوريا ـ عسكريا، لمدة طويلة، وان عليه ان يتبع حدا ادنى من الديموقراطية الدستورية.

ومن اجل ذلك يبقى بحاجة الى التعاون، او الاتكال، على حزب او حزبين آخرين غير الحزب الموالي له، لأن اي انتخابات نيابية نزيهة او طبيعية في الظروف الراهنة لن توفر لحزبه اكثرية نيابية. فكيف اذا جرت في هذه الاجواء العاطفية الثائرة التي تلت مصرع بوتو، والتي قد تحمل الى المجلس النيابي اكثرية نيابية غير موالية لمشرف؟

لقد عاد نواز شريف وحزب الشعب عن قرار مقاطعة الانتخابات، لا «لأن الديموقراطية هي افضل ثأر»، كما قال نجل الزعيمة الراحلة وخليفتها على رأس الحزب، بل لأنهما ادركا ان الشعب الباكستاني، في ردة فعله على الجريمة، سوف يمنحهما اصواتا كافية ترغم الرئيس مشرف على تسليمهما كل المقاعد الوزارية او اكثريتها.

ومن هنا يفهم تأجيل موعد الانتخابات، كما «يهدأ الجو»، بضعة اسابيع. لقد كان مشروع الحل السابق لمقتل بوتو يقضي بتعاون الرئيس مشرف مع الحزبين السياسيين المدنيين في الحكم لمجابهة الاسلاميين، أما اليوم، فان الرئيس مشرف قد يجد نفسه وحيدا مع الجيش، في مواجهة الاسلاميين وحزب الشعب وحزب نواز شريف.

ان تصاعد المعارضة بل العصيان الاسلامي المتطرف، لا يترك امام الحكم في باكستان، وأمام واشنطن، مجالا واسعا للخيار او التردد، لا سيما ان القضاء على الارهاب في افغانستان والعراق لم يتحقق بعد خمس سنوات من الاحتلال. وأن التحدي النووي الايراني ما زال قائما. وحتى لو كانت واشنطن والاتحاد الاوروبي وحلفاؤهما لم يقرروا الانسحاب من افغانستان

والعراق قبل سنة او سنتين وربما اكثر، فانه ليس في مصلحتهم فتح جبهة جديدة في باكستان ـ او ايران ـ وهذا ما تعمل الحركات الاسلامية المتطرفة لجرهم اليه. ان وصول الاسلاميين الى الحكم في اسلام اباد هو خط أحمر عند واشنطن. وهي تعرف ان الضمان العملي لعدم وقوع السلاح النووي في يد الاسلاميين، هو الجيش الباكستاني او بالأحرى جهاز المخابرات العسكرية فيه. واذا لم يتمكن الرئيس مشرف من الصمود في وجه معارضيه، او لم يجد «حلا ديموقراطيا» للحكم، فان خليفته الطبيعي سيكون قائد الجيش الباكستاني الجديد اشفاق كياني، الذي كان رئيسا لجهاز المخابرات، من قبل.

ان الاسلاميين المتطرفين، مع «القاعدة» وطالبان وزعماء قبائل وزيرستان، يركزون، اليوم، على باكستان، بعد ان فشلوا في قلب انظمة الحكم في الدول العربية والاسلامية الاخرى، وطالما ان «مقاومتهم» في افغانستان والعراق لم تكلل بخروج القوات الاجنبية. ان باكستان، بطبيعتها وتكوينها الاجتماعي والثقافي وواقعها الثقافي، تشكل بستانا رحبا لتصدير الافكار والدعوات الدينية المتطرفة. ولا شك في ان الوجود العسكري الاميركي والدولي في العراق وافغانستان والخليج وتحالف معظم الدول العربية والاسلامية مع واشنطن والمجتمع الدولي لمحاربة الارهاب (اي الجماعات الاسلامية المتطرفة)، يمدان هذه الجماعات بتعاطف شعبي وبنوع من شرعية المقاومة. وعلى الرغم من كل المظاهر والدعايات، فان واشنطن وحلفاءها حققوا في السنوات الخمس الاخيرة تقدما كبيرا في مقاومة الارهاب وافشال مشاريع الجماعات الاسلامية المتطرفة. وبالتالي، فانه ليس امام واشنطن والمجتمع الدولي سوى موقف واحد في باكستان، وهو الحؤول دون وصول الاسلاميين المتطرفين و«القاعدة» وطالبان للحكم في اسلام اباد، وقبضهم على الترسانة النووية الباكستانية.

ان امام واشنطن وحلفائها اكثر من طريق او وسيلة للحؤول دون ذلك: منها العمل مع الرئيس مشرف والاحزاب الباكستانية على تعزيز الحكم ديموقراطيا ليصمد شعبيا ودستوريا بوجه هجمة الجماعات الاسلامية المتطرفة. ومنها التعجيل بحسم الوضعين المترجرجين في العراق

وافغانستان، تمهيدا للانسحاب منهما، بعد التأكد من ان النظامين الحاكمين فيهما، قادران على توفير الامن والاستقرار. ومنها ان «تتصالح» او تخفف واشنطن من حدة توتر علاقاتها بإيران التي لم تتضح بعد معالم دورها

وغاياتها في العراق وأفغانستان، ناهيك عن لبنان.

كل ذلك ليس سهلا على واشنطن لاسيما ان رئيسها دخل سنته الاخيرة في الحكم، وبالرغم من ان كل شيء يشير الى ان الرئيس المقبل سيكون من الحزب الديموقراطي، وان سياسة الولايات المتحدة سوف تتغير او «تصحح» بعد دخوله البيت الابيض، فانه ليس من المنتظر حدوث تغيير في الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط ووسط آسيا، بمائة وثمانين درجة.

وسواء جاء الحل من أميركا أو العراق او افغانستان او ايران، فان الجولة القادمة للحرب بين واشنطن والجماعات الاسلامية المتطرفة هي في باكستان، وانها ستكون جولة لا كغيرها من الجولات السابقة، اي انها لن تستمر سنوات ولن تطبخ على نار هادئة.

صحيح ان للرئيس الاميركي بوش «نتعات» خطابية محرجة لحلفائه، ولكن عندما تحدث، أخيرا، عن «خطر وقوع حرب عالمية ثالثة»، كان جادا في ما يعنيه. وليس من الصعب ادراك السبب الذي جعله يتحدث عن حرب عالمية جديدة، وهو حيازة دولة او جماعة معلنة العداء لواشنطن، على السلاح النووي.

ومن هنا تركيز العالم على باكستان، التي دفعها مقتل بي نظير بوتو في دروب خطيرة ونحو مستقبل مجهول. ففي باكستان، اكثر من اي مكان آخر في العالم، سوف تحسم الحرب على الارهاب.. او تندلع الحرب العالمية الثالثة.