مداخيل العراق أكثر من حاجاته

TT

مع انشغال العراقيين والعالم بأحداث القتل والتشريد في العام الماضي لم يلق كثيرون بالا الى تطور مهم، فقد ارتفعت مداخيل الدولة المالية بشكل لا مثيل له في تاريخ العراق. لا يوجد سر هنا، فالعراق بلد نفطي، وأسعار النفط غمرت بكرمها كل المنتجين بلا تمييز.

مداخيل العراق فوق الاربعين مليار دولار، رقم يسيل له لعاب معظم دول المنطقة التي لا تصل مداخيل كثير منها الى ربع هذا المبلغ، مثل سورية التي تحتضن معظم اللاجئين العراقيين. الا ان علة العراق انه غني يرقد في المستشفى. والحقيقة ان العراق لم يكن يعاني من شح المال حتى في اصعب ايام المقاطعة الدولية لنظام صدام حسين. فقد كانت هناك وفرة مالية في بنوك فرنسا وسويسرا، الا ان الحكومة لم تتح للمواطن العراقي سوى بضعة كوبونات يتدبر بها حاجاته المعيشية اليومية، كان هناك مال بلا انتاج او واردات. في العراق الجديد لا تزال توجد سياسة الكوبونات، مع باب واسع للمستوردات. لم يعد يوجد حصار بل فوضى وعنف. فالأسواق مكدسة بالخضروات مع احذية الموتى من ضحايا العمليات الارهابية، حتى هجرها الباعة والمشترون.

الجديد ان العراق يبدو يستقبل خبرين سعيدين، عنف يتدنى ومداخيل ترتفع. وسيكون العراقيون اكثر سعادة لو احسنت الحكومة التعامل معهما. كيف يمكن لأي حكومة في العالم ان تفشل وفي يدها وفرة المال والاستقرار؟

لا نرى في بغداد بعد دلائل كافية على انها تقدر هاتين النعمتين العظيمتين، حيث انخرطت في معركة كلامية ضد «عشائر الصحوة»، رغم انها شاركت في جلب الاستقرار وقلب الوضع ضد القاعدة وبقية الفرق الارهابية، بعد ان عجزت القوات الاميركية والعراقية على دحرها. والثانية ان العام انقضى دون ان تقدم الحكومة افكار مشاريع تطويرية تعكس مداخيل البلاد البترولية الهائلة، او ما وصل منها بعد التسرب والتهريب. ولعل السبب ان الحكومة مشغولة بالعمل السياسي اليومي عن التخطيط لليوم اللاحق، والعام الذي يليه، او على الاقل هكذا تبدو الامور لنا عن بعد.

الانشغال في الخصومات والحروب يرهق اعتى الانظمة، وهذا ما جعل نظام صدام يتهاوى سريعا في غزو 2003 بسبب الضغط المستمر الطويل على اقتصاد البلاد والحكومة الذي دام 13 عاما بلا انقطاع حتى لم يعد الدينار العراقي يساوي ثمن الورق الذي يطبع عليه. فالرئيس السابق صدام لم يكن يهمه سوى تحدي الحصار بالمعارك الخارجية، جازما ان العراقيين يستطيعون ان يتركهم الى الابد على بطون خاوية. لهذا لم يستغرق الغزو عشرين يوما حتى كان تمثاله في ساحة العاصمة يجر على وجهه.

ان العامل الاقتصادي لا يقل، ان لم يزد، في الأهمية عن الأمني والسياسي، والحكومة امام تحد كبير بعد 17 عاما من بلد ركام، متوقف عن الحياة المدنية. إرث لا يمكن ان تلام عليه لكنها مطالبة بعلاجه، يضاف اليه علاج اوضاع العراقيين الذين انتشروا بالملايين في دول الجوار يتطلعون الى العودة الى بيوتهم بعد كابوس القتل والتشريد والحياة القاسية في المهاجر. الحكومة تستطيع ان تحقق المعجزات لو انها جربت طريق المصالحات والإنفاق على مواطنيها من محفظتها المالية الفائضة بالدولارات.

[email protected]