مأساة بينظير.. مأساتنا

TT

بالنسبة إلى كثيرين، بقي الموت المفجع الذي استهدف بينظير بوتو في ساحات روالبندي وسط جماهيرها أسير حدود الحدث العابر الذي غالباً ما يتكرر في يوميات مناطقنا وعالمنا مكرساً ثقافة الاغتيال والقتل على أي معنىً آخر. هكذا بدا حال قسم واسع من التغطيات والمواقف الإعلامية والصحافية التي رافقت وأعقبت وقائع اغتيال زعيمة حزب الشعب الباكستاني وأبرز رموز ذلك البلد الغارق في أزماته ومآسيه حتى باتت الجنائز مفتوحة فيه.

اليوم، لم تعد متابعة الحدث ونقله مباشرة على الهواء، على أهميتها، المحك الفعلي في عالم الاتصالات الحديث، بل ماهية المواقف التي تسعى أية وسيلة إعلامية إلى تظهيرها والتعمق فيها أو لفت الانتباه إليها. لم يكن اغتيال امرأة من طراز بينظير بوتو وعلى النحو الذي تمّ فيه نقطة يتم التلاقي عندها، بل هناك من سعى إلى استغلال الحدث لتوسيع دائرة الهجوم على بوتو على نحو يتجاوز حدود المهنة إلى مشارف الشماتة والتبشير بمصير مماثل لآخرين غيرها. طبعاً، هناك من حزنوا وتأثروا لتلك الجريمة وهولها لكن ذلك أمر طبيعي، بل هو الحدّ الأدنى من التضامن إزاء الجريمة، أما المستغرب هو حدوث عكس ذلك. لا شك أن بوتو كانت شخصية جدلية في سيرتها وعلاقاتها لكن من الصعب المرور سريعاً على شجاعتها وقدرتها على المواجهة في بلد يتضاعف فيه عدد المطالبين بتهميشها فقط لأنها امرأة وهي التي استقبلت بعملية انتحارية لحظة عودتها من سنوات المنفى إلى باكستان وكانت تُهدد جهاراً بالقتل ومن قبل الجميع، الأصولويين والعسكر.

تظهر الأقلام التي انبرت للتحامل على بينظير بوتو أو الأصوات التي علت محملة الزعيمة الباكستانية نفسها مسؤولية موتها جراء علاقاتها بالغرب أو ما وصفه البعض بتنكرها لجذورها الأصيلة ميلا متعاظماً نحو تضخيم الدعوات الايديولوجية المتشددة ونذيراً بأن مسارات طموحة كثيرة قد تواجه المصير نفسه الذي واجهته بوتو وهو أمر حاصل فعلا. لا شك أن مقتل بينظير بوتو وما تمثل من تاريخ وشخصية شكّل ضربة جديدة قاسية لأي جهود تحديثية في عالمنا الإسلامي المضطرب والمعقد. بدا جلياً أن قتلة بوتو استفزهم فيما استفزهم حضورها وجاذبيتها وقدرتها على المواجهة. أن تكون بوتو خريجة جامعات من طراز اكسفورد وهارفارد وأن تكون سيدة منفتحة على العالم أمراً ليس محسوماً موقفنا منه..

واجهت بينظير بوتو مصيراً كان متوقعاً منذ اليوم الأول لعودتها وهي مستمرة في تربع صدارة التحليلات والمناقشات ولا تزال مواقع انترنت كثيرة ومدونات تجادل في أسباب قتلها ونتائجه. ليس فقط عبر المدونات، بل عبر الكثير من الشاشات ووسائل الإعلام. هناك من لا يكلّّ عن مواصلة ترويج ثقافة الكراهية والعنف على نحو يكاد تصعب مواجهته وينذر بأن دماء أخرى قد تسيل في حال استمرت تلك اللهجة المستفزة القاتلة.

diana@ asharqalawsat.com