كينيان.. آه كينيا .. مافيا الجبل

TT

كان يفترض أن يقيم الغرب في كينيا دولة نموذجية تحتذيها بقية أفريقيا، لكنه ترك نظاما فاسدا يمزق مستقبل البلد الجميل. وبعد وفاة جومو كينياتا، مؤسس الدولة المستقلة، جاء نائبه دانيال أرب موي الذي حكم سحابة ربع قرن.

وفي ظل أرب موي تحللت الدولة وانهار الأمن وعم الفساد وساد الانقسام القبلي. ولم يتحرك الغرب. ولاحق أرب موي معارضيه بالقتل والسجون. وطارد الصحافيين والسياسيين. وبقي فقط لرجال الكنيسة أن يعبروا دون خوف عن الوضع المنهار. واتهموا الحكومة بتشجيع النزاعات القبلية التي أدت أوائل التسعينات إلى تشريد عشرات الآلاف ومقتل المئات. فأعمال العنف القبلية التي تفجرت في الأيام الأخيرة ليست الأولى في العقود الماضية.

وقد حاولت المعارضة إنقاذ كينيا من حكم الحزب الواحد بدعم من الغرب الذي علق المساعدات لحكومة موي. لكن الدعم الغربي لم يتعد الخطوات الشكلية. واستمر موي في تزوير الانتخابات. وقسَّم مقاعد البرلمان بين المناطق على نحو وقح في جوره. وعلى سبيل المثال كان للأقاليم الشمالية 10 مقاعد مع أنها تمثل 1.7% من السكان، فيما أعطى إقليم نيروبي العاصمة، 8 مقاعد مع أنه يمثل 8.37% من مجموع السكان. لكن ذلك كان أرب موي.

عندما أرغم موي أخيرا على الذهاب خرج ومعه نحو 3 مليارات دولار. ووعد الرئيس الجديد موي كيباكي بأن «الفساد لن يبقى أسلوب حياة في كينيا» لكن ما أن غابت «نقابة موي للسرقة» حتى قامت «مافيا جبل كينيا» بزعامة كيباكي. وبعد عام من وصوله انفجر سفير بريطانيا في نيروبي خلال خطاب ألقاه أمام مؤتمر لرجال الأعمال وقال: إن أسماء الشرفاء من الوزراء، والموظفين الكبار في هذا البلد يمكن أن تكتب كلها على طابع بريد! وقال إن كينيا لا تملك ثروة من النفط أو الماس، وإن منابعها الحقيقية هي في أهلها وذكاء رجالها، لكن ماذا يمكن هؤلاء أن يفعلوا أمام هذا المحيط الهائل من الفساد.

تذكر المشاهد التي رأيناها على شاشات التلفزيون بمذابح رواندا المرعبة: رجال غاضبون يرفعون المناجل والفؤوس ويحرقون الأكواخ. هذا ما يحدث عندما يجن الفقراء. يحرقون بعضهم بعضا ويقتلون بعضهم بعضا، خلافا على نسب أو قبيلة. وليس كيباكي سوى أرب موي آخر وليست كينيا سوى مثال أفريقي آخر على ما يمكن أن يحدث عندما يتواطأ الغرب ـ والعالم ـ مع أسوأ أنواع الفساد، وعندما ترتضي أميركا من الديمقراطية بنوعية الانتخابات التي يديرها أرب موي أو الرجل الذي جاء بعده.

تلك هي أفريقيا. إما ديكتاتورية في انتخابات يربحها عسكري. وإما ديكتاتورية بلا حاجة إلى انتخابات ولو شكلية وبإشراف لجنة يرأسها جيمي كارتر من أجل التحقق «من نزاهة الاقتراع». وإما ديكتاتورية اقتراعية على طريقة أرب موي وموي كيباكي. الباقي ضباط يطبقون نظام الثكنات على البرلمانات مثلا غينيا وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو. وترجمتها «أرض الشرفاء». والشريف الأول قابع هناك منذ عقود، يوسع صدره للأوسمة، ويضيقه للناس.