زكام وصداع في رأس السنة!

TT

الله يلعن ـ ولا أعرف من الذي يستحق اللعنة. كثيرون. ولكن أسهل جداً أن أقول الله يلعن الحظ السيئ. لا أقول الزمن. فالحديث القدسي يقول: «لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر»..

تصور نفسك في باريس. وفي ليلة رأس السنة. وباريس كما نعرف في هذا اليوم من كل عام لؤلؤة في الوحل. وقد تفننت في الإضاءة. فكل سنة نرى فستاناً شفافاً جديداً. ولا يهم البرد. فهي تتعرى وتكشف عن مفاتنها. ومفاتنها ليست الناس فقط. ولكن الحياة الباريسية والسهرات والموسيقى والرقص والهمس واللمس.

وكنت أمني النفس والجسم والعقل بكل ما هو جميل في هذه الدنيا. وانسدت النفس وانكسرت وانطفأ العقل. وضاقت الدنيا ـ وتباعد كل شيء عن يدي وعيني وأذني وفمي. لقد حبسني الزكام في غرفة تطل على السفارة الأمريكية المغلقة الأبواب والنوافذ. وحاولت بالمسكنات والمهدئات ومانعات السعال لعلي أستطيع أن أخرج وأقف أمام باب الفندق وأنظر وأملأ العين من هذا الجمال ـ إن أمكن في هذا الجو البارد بالمخلوقات الجميلة..

وكأن السجن في غرفة لا يكفي. فقد وجدت سجوناً أخرى جاهزة: فأنا لا أستطيع أن أتنفس. ولا أستطيع أن أتفرج على التليفزيون. فالهواء في أنفي قليل. والرؤية ضبابية. وكان لا بد أن أدخل سجناً آخر من الملابس الثقيلة والأغطية وأن أحشر نفسي وسط كل هذه الحواجز والموانع خوفاً من الهواء البارد. مع انه لا يوجد في الغرفة لا هواء بارد ولا هواء ساخن. وسألت إن كان هناك مهندس للتدفئة، فالغرفة باردة. وجاء المهندس ولم أفهم كل ما قدم لي من شرح. وقلت أجرب.. وضغطت على هذا الزرار فكان الهواء بارداً. وأغلقت الهواء البارد وضغطت على زرار آخر فجاء الهواء الساخن. وظللت أتنقل بين البارد والساخن حتى جاء مهندس آخر. ورجوته أن يوقف كل وسائل التدفئة والتسخين..

عملية التسخين والتبريد استغرقت عدة أسطر والأسطر استغرقت بضع لحظات والحقيقة أنها استغرقت الليل كله، وكل سنة وانت طيب والناس جميعاً بعيدون تماما عن الزكام والسجن الانفرادي ثم لا تعرف من الذي تلعنه.. أسهل أن تلعن نفسك!