الشباب العربي وعزوفه عن العمل السياسي

TT

صحيح أننا لا نمتلك إحصائيات، تستند إليها ملاحظتنا لظاهرة عزوف الشباب العربي عن العمل السياسي، إلا أنه في المقابل نجد مؤشرات عديدة، تؤكد الظاهرة واتساعها، خصوصا أنه حتى الجانب الرسمي العربي كثيرا ما يعترف بشكل موارب وغير مباشر بوجود هذه الظاهرة التي هي مقلقة لهم سياسيا، باعتبار أن نسبة الشباب التي تمثل أكثر من نصف المجتمعات العربية، تشكل رصيدا انتخابيا غير موظف وغير مستفاد من أصواته التي تبلغ الملايين.

فكيف نفهم ظاهرة عزوف شبابنا العربي عن العمل السياسي في الوقت الذي كان فيه الإقبال ضخما ومتحمسا وكانت الجامعات في الوطن العربي فضاءات لتلاقي وتنافس وتشابك مختلف التيارات السياسية؟

في البداية لا بد من التوضيح أن ظاهرة العزوف هذه، هي عالمية اليوم وليست حكرا على الشباب العربي وإن كانت تبدو متضاعفة وتحتكم الى أسباب تختلف في معظمها عن أسباب انخفاض الاقبال على العمل السياسي في البلدان الأوربية والعالم الغربي بشكل عام.

وتتمثل الأسباب المشتركة والعامة في سقوط الأفكار الكبرى وتلاشي سطوة الايدولوجيا، التي كانت تؤطر عقول الشباب وبالتالي تشكل لهم خياراتهم والقضايا ذات الأولوية في الدفاع عنها.

وفي البلدان العربية كما هو معروف، تتالت الصدمات وتعرضت أفكار مثل العروبة والقومية وكذلك دلالات سقوط الاتحاد السوفيتي الى إخفاقات والى إفراغ من بريقها ومن جدواها على أرض الواقع، بل إن أحداثا على غرار حرب الخليج وغزو العراق، قد قتلت الفكر القومي والعروبي الى الأبد. وتعالى في مقابل ذلك كبديل الخيار القطري الضيق. فالفكرة التي كانت تجمع، قد تم اغتيالها. والايدولوجيا التي كانت تؤطر، قد أعلن عن وفاتها.

وهذه المتغيرات التي بدأت تهب مع الثمانينيات تقريبا، قد فعلت فعلها وجعلت الأحزاب في شبه عطالة فكرية خصوصا أن الدمغجة حول الخيارات الوطنية لم تكن ذات مصداقية ولا مقنعة بالنسبة الى شباب تمتعوا بتنشئة سياسية فكرية ساخنة ، تتدفأ بنار الأفكار الكبرى والقضايا العروبية أو القومية أو الماركسية اليسارية.

وفي هذا السياق لا ننسى أن النخب السياسية العربية الحاكمة، بذلت كل ما في وسعها ونجحت في خلق حالة من العطب السياسي في فضاء الجامعة وأحكمت حوله المراقبة، ليضطلع بدور تعليمي لا أكثر ولا أقل، الشيء الذي أطفأ جذوة ممارسة السياسة والتعاطي معها والحديث عنها والنقاش الهادئ أو الحاد حولها.

لذلك كان الطالب العربي حتى السبعينيات والثمانينيات مثقفا وملما بالتيارات والتوجهات والأفكار الكبرى التي تجتاح العالم، في حين أن أغلب طلبة اليوم يفتقدون الى الثقافة السياسية والفكرية، التي كانت توفرها الجامعات داخل قاعاتها وخارجها.

طبعا لا نغفل عن حالة البرود التي أصبحت تصيبنا أمام الخطابات والشعارات التي نصفها آليا بالجوفاء ولكن في نفس الوقت، هناك حقائق موضوعية أخرى ذات علاقة بالمشهد السياسي داخل البلدان العربية والذي يسهم بشكل أساسي في بعث ظاهرة عزوف الشباب العربي عن العمل السياسي. فنحن نعيش في مشاهد سياسية، تفتقد فيها أحزاب المعارضة الى قوة الحضور والى الفعالية، مما أنتج حيوات سياسية دون منافسة ودون معركة حقيقية للفوز بصوت المواطن.

ولا ننسى أن المنافسة وتعدد الأحزاب وبروز معارضة قوية، كل ذلك يقوي الأحزاب الحاكمة ويمنحها مشروعية سياسية أقوى وأكثر صلابة. بل وننسى أن المشهد السياسي الذي يفتقد الى المنافسة بين الأحزاب المتعددة والمختلفة، هو مشهد غير مغر وراكد وميت، وهو ما ينتج ظاهرة العزوف ضده لانعدام الجاذبية السياسية فيه. وما دام شبابنا يعرف مسبقا من سترسى عليه نتائج الانتخابات وبأي نسبة ، فإن ذلك يعني أنه سيظل قليل الثقة في مصداقية الفعل السياسي العربي وبالتالي يختار العزوف موقفا منه، وهو رد فعل نعتقد أنه يحتاج الى وقفة تأمل والتفكير في سبل استقطاب هذا الشباب من خلال آليات تحترم عقله وثقته وتوقعاته، حتى لا نصل الى حالة تكون فيها صناديق الاقتراع فارغة.