أفيدوني

TT

في مواسم الاعياد يتبادل الناس الهدايا تعبيرا عن الود ورغبة في التواصل. ومن حسن حظي هذا العام انني تلقيت فيضا من الهدايا، التي تدخل البهجة على نفسي وهي الكتب. اهدتني ابنتي كتابين واهداني زوجي كتابا واهدتني صديقة كتابا اخر هو موضوعي اليوم. فهو مقتطفات من رحلة ابن بطوطة الي مصر والشام.

العرب برعوا في أدب الرحلات، ومنهم ابن بطوطة والادريسي والمسعودي والمقدسي. هؤلاء دفعهم حب المغامرة والمعرفة فخرجوا بحثا عنها. سجلوا ملاحظات اصبحت سجلات حافلة تمثل الحياة في العديد من البلدان وثقافة العصر.

اول ما استرعي انتباهي في مقدمة الكتاب، هو ان ابن بطوطة قام برحلته وهو في سن الثانية والعشرين. ولا يخفى علينا ان كتابه اصبح ركنا مميزا من اركان الثقافة العربية. كان ابن بطوطة مغربي المولد والنشأة، حيث انه ولد في طنجة ونشأ وتعلم فيها. وكان قوي الانتماء لأمة الاسلام. فكان اذا سافر بعيدا عن موطنة الاصلي يكتب ويصف المدن التي يزورها وعادات سكانها بدون ان يشعر بأنه غريب.

تصفحت الكتاب فوجدت وصفا لمدينة الاسكندرية، ولأن الاسكندرية هي مدينتي الاثيرة في مصر، رغم انني قاهرية المولد والمنشأ، قرأت الوصف بتأن فذابت مسافات الزمن ولم أشعر بأن ابن بطوطة كتب ما كتب قبل ثمانية قرون. يقول: وصلنا في اول جمادي الاولى الى الاسكندرية حرسها الله. وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس. العجيبة الشأن والاصيلة البنيان. بها ما شئت من تحسين وتحصين. ومآثر دنيا ودين. كرمت مغانيها ولطفت معانيها. وجمعت بين الضخامة والاحكام مبانيها، فهي الفريدة في تجلي سناها. والخريدة تجلى في حلاها. الزاهية بجمالها المغرب. الجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب.

هذا الوصف المعبر مد بيني وبين ابن بطوطة خيطا موصولا بجذور انتماء كل منا الى حضارة الدين واللغة، وكأنه واقف في أول صف وانا واقفة في اخره، كلانا ينظر الى منظومة انسانية رائعة عامرة بالاحداث والناس تركت اصداء في سمع الاسكندرية وبصرها.

في ذلك الزمن البعيد الذي عاشه ابن بطوطة كان له وهو ابن العشرين قضية هي السفر لتأدية فريضة الحج وللتعرف على شعوب وعادات وثقافات. ومن يقرأ لابن بطوطة يجد اكثر من دليل على سعة ثقافته واطلاعه وفهمه للتاريخ والعمارة والانثروبولوجيا.

أتمنى أن يدلني احد على قضية ابن العشرين في زمننا هذا. اذا صح ظني فان الحضارة الغربية السائدة مدت اذرعا اخطبوطية فضمت شباب العالم كله تقريبا تحت مظلة واحدة تسمى مجازا ثقافة الشباب. هذه الثقافة تقنع شباب اليوم بأن المتعة هي غاية ووسيلة، لها مفردات وهي الموسيقى الصاخبة الراقصة والتمرد على كل القيود. انها غاية صاخبة تمتص الطاقة وتلغي الفكر والوجود لأنها لا تمنح من يتبناها فرصة للتفكير المستقل وتأبى ان يظل موصولا بماض او متطلعا الى مستقبل. فلسفتها احيني اليوم وامتني غدا.

هل أنا قاسية في حكمي على الشباب؟ ليت واحدا أو عشرة او مائة او حتى الفا منهم يجيبون على هذا السؤال.

لو بعث ابن بطوطة اليوم هل تكون قضيته السفر والاطلاع وتسجيل ما يرى وما يسمع؟ أم يكتفي بالآي بود واغاني اليسا وكليبات نانسي واخر موضة في الجينزات والتفحيط والتجول في المولات؟ أنتظر ردودا تقنعني بأن الاصل غلاب وان من اولادنا بدل ابن بطوطة واحد هناك عشرات الالاف ينتظرون فرصة