من الأحق بمصاهرة بحر زائغ العينين؟! (2)

TT

كان جدي البحار الذي يمتلك مركبا شراعيا ينقل على متنه البضائع والمسافرين عبر موانئ البحر الأحمر، له في كل ميناء زوجة، فأنشأ فروعا للأسرة موزعة على موانئ البحر الأحمر من السويس إلى عدن لا يعرف بعضها بعضا، ولو أدرك جدي قناة السويس، فلربما كان لي اليوم أبناء عمومة في تركيا أو قبرص أو اليونان من ذوي العيون الزرقاء، والبشرة البيضاء، ولكنها الجغرافيا حالت بين جدي وبين تنويع نسل الأسرة..

تلك مقدمة لا بد منها لفض الاشتباك الذي أثاره مقالي المنشور عدد الأحد الماضي بعنوان «من الأحق بمصاهرة بحر زائغ العينين؟!» حول لقب عروس البحر الأحمر، لتأكيد المصاهرة والقربى بين أهل تلك الموانئ، بعد أن تنازعت اللقب بحسب تعليقات القراء: جدة، وموانئ أخرى في مصر واليمن والسودان، وبصورة خاصة مدينة بور سودان، التي يتغني بها أهلها:

«عروس البحر يا حورية

يا بور سودان يا جنية

من قلب تائه في حبك

بهدي سلامي وألف تحية».

ويعترف القراء مثلي بأن البحر الأحمر زائغ العينين ـ مثل جدي ـ له في كل ميناء زواجات معلنة و«مسيار»، ويقر بعضهم بأن مدينة جدة هي «أم العيال»، والزوجة الأكثر حظوة لدى البحر الأحمر بين جميع زوجاته، فهذه المدينة التي تشبه عروس النيل التي يقدمها المصريون القدامى قربانا قد قدمت نفسها عروسا للبحر منذ مئات السنين، غامسة لقمة عيشها في ملوحته، فتأثر تاريخها بمده وجزره، والمتأمل لتاريخها يدرك مدى صحة المثل: «جدة أم الرخاء والشدة»، إذ عاشت طويلا في أرجوحة الزمن صعودا وهبوطا، تشرق عليها الشمس حينا وتغيب أحيانا، وظلت رغم كل هذه التقلبات قادرة على أن تبتسم للحياة من جديد.. واكتسب سكانها شيئا من سيكولوجيتها، فهم من أكثر الناس احتفاء بالدنيا إن أقبلت، ومن أقدرهم صبرا عليها إن أدبرت، ويصفهم الرحالة بوركهارت الذي زار جدة عام 1814 بأنهم «بحارة أو تجار بحريون»، ويعلل ثراء مدينتهم في عهده فيقول: «وليس مرد ثروة جدة إلى كونها ميناء مكة فقط، فالواقع يمكن اعتبارها ميناء لمصر والهند ولشبه الجزيرة العربية كذلك، إذ أن جميع صادرات هذه البلدان إلى مصر تمر في أيدي تجار جدة أولا».

ومن جدة لكل عرائس بحرنا المزواج بحر آخر من الحب.