الأميركيون الآخرون

TT

التقيت السناتور جورج ماكغفرن مرتين. الأولى 1976 في عشاء أقامه كلوفيس مقصود، مبعوث الجامعة العربية آنذاك الى الامم المتحدة وأميركا. والمرة الثانية قبل ايام عند الدكتور وليم بولك، مؤلف «أميركا والعرب»، والمستعرب الذي ترجم عصماء لبيد الى الانجليزية، إضافة إلى عدة مؤلفات حول العرب، آخرها العراق، حيث يشبه المقاومة العراقية بثورة الأميركيين الأوائل ضد الاستعمار البريطاني.

لقد اصبح السناتور ماكغفرن في الخامسة والثمانين. ودخل التاريخ على انه الرجل الذي هزمه ريتشارد نيكسون في معركة الرئاسة. وقد سألته كيف يقيم ريتشارد نيكسون. قال: «كان رئيسا عظيما أودت به خطايا صغيرة». لكنه كان رجل دولة يدرك معنى وأهمية التحولات التاريخية، ولقد هزمت أمامه لأنه عرف كيف يربح اللحظة التاريخية. فعندما رأى أن الهزيمة العسكرية في الفيتنام سوف تؤدي الى هزيمته خطرت له فكرة الرحلة إلى الصين. وبذلك قلب المشهد السياسي برمته».

قال السناتور ماكغفرن إن الملعب السياسي الأميركي يشكو من فقدان الهامات والعقول الكبرى.

يقول: «في عقد واحد فقدنا جون كينيدي وروبرت كينيدي ومارتن لوثر كينغ. ثلاثة من جبابرة التطور والتغيير. وبعدها بدأ الانحدار. ورأينا الشعب الأميركي يصوت لرونالد ريغان. وها نحن الآن في عهد وعهدة جورج بوش الذي اقنعه من حوله بالذهاب الى العراق. والده كان يصغي الى رجال مثل جيمس بيكر والجنرال سكوكروفت. هو اصغى الى ديك تشيني ودونالد رامسفلد. وإليك أين هي أميركا الآن؟ اننا جميعا ننتظر الرئيس المقبل. لا خلاص قبل ذلك؟

قلت للسناتور ماكغفرن، هناك سؤال ساذج وقديم، يخطر للناس عندما نقابل رجلا في مثل تاريخك: أي نظرية تصدق في مقتل جون كينيدي؟ «لا أصدق النظريات. أصدق فقط التقرير الذي نشرته لجنة وارني حول التحقيق في الجريمة. لكن الناس لا يمكن ان تقبل أن رجلا مجنونا يدعى مارفي اوزوالد قام بالجريمة منفردا. لكن هذه هي الحقيقة على الأرجح. وهذه هي قناعة آل كينيدي، كما ابلغوني بها. الناس تريد جريمة أسطورية في حجم أسطورة كينيدي. لذلك لم يصدق أحد حتى الآن ان قاتل ابراهام لنكولن كان رجلا واحدا وكان رجلا مهوسا بمشاعره العنصرية».

سألت الدكتور وليم بولك الذي صدر له اخيرا كتاب «سياسات العنف: من أميركا إلى العراق»، إن كان يعتقد ان العراق هو المغامرة الأخيرة. وقال: للأسف لا، وهو يعتقد باحتمال تدخل عسكري أميركي في باكستان. وعندما قيل له إن ذلك سوف يكون عملا جنونيا، أجاب: «تماما. ولذلك اتوقع أن يحصل».

وقد اشترك بولك وماكغفرن في وضع كتاب واحد حول رؤيتهما للسياسة الخارجية الاميركية والسياسات الانتحارية التي اتبعت في السنوات الأخيرة. وكان كلاهما من اوائل الذين وقفوا ضد الحرب الفيتنامية. وترك بولك منصبه في حكومة كينيدي احتجاجا على تلك السياسة لينصرف إلى العمل الأكاديمي استاذا لتاريخ الشرق الأوسط في جامعة شيكاغو. وهو يحمل شهادتي دكتوراه في المسألة، من هارفارد وأوكسفورد.