انقذوا أميركا.. من الخوف

TT

أعتقد أن اثمن هدية يمكن أن يقدمها الرئيس القادم لأميركا هي انهاء عقدة الخوف.

فالخوف له مكانه بالطبع. وقبل سبعة عقود لم يشعر العالم بما يكفي من الخوف من هتلر. وفي الوقت الحالي يبقى العراق موقعا متفجرا، وافغانستان صراعا، وايران خطرا كامنا، وشمال كوريا لغزا لم يجر حله بعد.. وتجمع باكستان كل العناصر التي تسبب لنا صداعا دوليا حادا. وتستحق القاعدة وفروعها اهتمامنا الأكبر، ذلك انه عندما يقول أشخاص انهم يريدون قتلنا فاننا سنكون حمقى اذا لم نأخذ ذلك بالحسبان.

غير اننا ما نزال نمتلك جرعة زائدة من الخوف في الأوقات الأخيرة. ويطلب منا أن نكون خائفين حتى نكون أقل حماية لدستورنا، وأقل اهتماما بالقانون الدولي، واقل احتراما للحلفاء، وأقل تعمقا في بحثنا عن الحقيقة، واقل نشاطا في التساؤل عما يقوله لنا زعماؤنا. ويجري تحفيزنا من جانب البيت الأبيض لاعتناق ثقافة الخوف التي تقف وراء سياستنا الخارجية وتضيقها، بينما تسمم قدرتنا على التواصل بصورة فعالة مع الآخرين.

ويتمثل احد تجليات الخوف في عدم الاستعداد للتفكير جديا بآفاق بديلة. وظل موقف اميركا في العالم في انحدار منفلت خلال السنوات القليلة الماضية، لأن بلدنا ينظر اليه باعتباره يحاول فرض واقعه الخاص، لصياغة عالم آمن ومريح لنا، مع قليل من الاعتبار لوجهات نظر الآخرين.

أنا أحب اميركا بعمق وأؤمن بأن بلدنا ما زال الأفضل في العالم، ولكنني اعتقد أيضا اننا نواجه افتقارا خطرا للمعرفة الذاتية. فنحن نطالب باحترام القانون بينما ننتهك معاهدات جنيف. ونعلن: أنتم معنا أو ضدنا بينما نتجاهل تأثير افعالنا على تركيا والشرق الأوسط. ونحذر: ارفعوا ايديكم عن العراق بينما تحتل قواتنا بغداد. ونصرخ: انتبهوا الى جيش الصين بينما ننفق على قضايا الدفاع ما يعادل انفاق العالم كله.

نحن بحاجة إلى القيام بعمل أفضل في مجال كيفية رؤية أنفسنا مثلما يفعل الآخرون. إنه أمر مثير للاستغراب بالنسبة للعالم، ومثير للسخرية أن نكون ـ على الرغم من ثروتنا وقوتنا ـ خائفين من الإرهابيين والدول المارقة والمهاجرين غير الشرعيين، ومن المنافسة الاقتصادية الاجنبية. يضع الكثير من الناس أنفسهم في موقعنا ويتوقعون أن نكون ممتلئين ثقة. لكن الثقة الحقيقية تظهر في الاستعداد للدخول بمناقشات صعبة، والإجابة عن الانتقادات، والتعامل مع الآخرين باحترام، وتقديم مساهمتنا في معالجة المشاكل العالمية. وعادة يتم ترويض الثقة لغرض إظهار أفضل ما في أميركا.

نحن نشكل 4 في المائة من سكان الكرة الأرضية التي يحتل الآسيويون نصف عدد سكانها، ونصف العالم يعيش الفاقة، وثلثه من المسلمين، وهو بشكل عام على علم بما قامت به الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة أكثر من إنجازاتنا السابقة. وللكثيرين فإن إدارة بوش هي أميركا. وسكاننا هم في حالة يائسة. نحن لن نتمكن من الشفاء عن طريق استخدام الخوف، بل من خلال تربية أنفسنا على معرفة العالم حولنا، وتعلم لغات أجنبية، وتقييم كل الأديان، ودراسة أبعاد الكثيرة للحقائق التاريخية، وتسخير التكنولوجيا الحديثة لأغراض بناءة، والنظر إلى ما وراء التصورات التي تقسم العالم إلى خيّر وشرير.

أنا آمل أن يكون الرئيس القادم ممتلكا تساميا عقليا لا يجعله بحاجة إلى تخويفنا، بدلا من ذلك يقوم بإعادة الإيمان مجددا بالفكرة الأميركية. وهذه الفكرة تقوم على الشعور بالوحدة والتزام بعضنا بعضا. والفكرة متجذرة في الايمان بالديمقراطية ومصقولة بشعورنا بالمسؤولية للاجيال الحالية والقادمة. هذا هو الغراء الذي مكننا من التغلب على الفوارق الحزبية في العقود المبكرة وأبقانا أقوياء أمام الخلافات التي كانت أكثر خطورة مما نواجهه اليوم. وبمزاوجة الإيمان مع تقاليدنا بثقة للبحث عن القيم التي يمتلكها الآخرون، يصبح لدينا أرضية أقوى بكثير للقيادة الأميركية أكثر من أي استحضار للخوف.

* وزيرة الخارجية الأميركية السابقة

- خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ («الشرق الاوسط»)