هل تنحاز الجامعة في لبنان؟

TT

العادة ان الجامعة العربية لا تصنع جديدا بذاتها، لأن كل دولة عربية تعتبر نفسها مستقلة. تكسر القاعدة فقط عندما يحتاج الجميع الى حل يضيع دمه بين القبائل كما فعلوا عندما قرروا مواجهة احتلال صدام الكويت. الجامعة ترى امامها في لبنان أيضا مظاهر اقتتال حقيقية.. اغتيالات سياسية متسلسلة، ورئاسة بلا رئيس، وبرلمان ممنوع من الانعقاد، وأسلحة تتدفق من الخارج.

ورغم ضعف الجامعة الخجولة عادة علينا الا نستهين بأهميتها لأنها قادرة على منح الشرعية برفع اليد. رأينا كيف افسحت الطريق لتحرير الكويت بإعطاء الموافقة للقوات الدولية على ضرب قوات صدام. وأهم تدخلاتها يوم حسمت موقفها بتأييد حكومة رام الله ضد حكومة غزة في فلسطين الصغيرة، بعد ان انقسم الفلسطينيون على انفسهم. وساهم موقف الجامعة في اجهاض مشروع حماس حيث وحدت المواقف العربية، ومن ثم حماية الفلسطينيين من ظهور حكومات متعددة تدعي تمثيلهم.

استباقا للأسوأ دعت الجامعة الى اجتماع حاسم لوزراء الخارجية العرب، وقررت ان تقدم حلا لسد الفراغ الرئاسي مع ان الدستور اللبناني لا يسمي الجامعة وصيا او محكما. المثير ان اللبنانيين وافقوا على المشاركة، بمن فيهم وزير الخارجية المستقيل، وهذه من غرائب لبنان حيث يزاول الوزراء المستقيلون عملهم الوزاري عندما يرغبون في المناسبات التي تعجبهم، ويرفضون عندما لا يريدون قائلين ان الحكومة غير شرعية.

المهم ان السوريين، وهم الوصي على العرش الرئاسي، وافقوا على المشاركة انما على الطريقة السورية حيث لم يسبق لهم الادلاء بتصريح الا وأرفقوه بتصريح مغاير له. اعلنوا انهم يؤيدون ما ستقرره الجامعة، ثم عادوا فقالوا يشترطون التوافق اللبناني على الحل. وكلنا نعرف ان عدم التوافق هو ما جاء بهم الى مصر.

للبنان تحديدا ذكريات مقلقة مع الجامعة العربية، تجربة طويلة بالتدخلات في نزاعاته القديمة المتكررة. فلا ننسى انها التي ادخلت الى لبنان حصان طروادة في ما عرف بقوات الردع العربية، التي ورثت الوظيفة لاحقا للقوات السورية. ولا أظن ان هناك مؤامرة بحسم ما ولا اعتقد ان الوزراء في الجامعة يريدون فرض رئيس بعينه وتوزيع كل الحقائب الحكومية، الا برضى القوى المعنية. فان نجحت المحاولة ستشكر الجامعة وان فشلت ايضا يجب ان تشكر لأنها حاولت.

لو فشلت سيبقى الفراغ الرئاسي، فراغ جذوره قديمة منذ ان قرر الرئيس السابق اميل لحود ان يمدد لنفسه فاضعف ما تبقى من احترام للمنصب. بل ان جذر الأزمة اليوم مردها الى محاولة سد فراغ المنصب آنذاك والى اليوم لبنان وسورية في ورطة.

الفراغات الحكومية، بلا انهيارات امنية، ليست سيئة البتة. تأملوا ما يجري في لبنان نفسه، فرغم الفراغ الرئاسي اليوم بقي ينبض بالحياة، كما لو كان الفراغ لا يعني شيئا عند اللبناني العادي. الحقيقة ان النظام السياسي برمته يعني القليل للمواطن هناك، لان معظم حياته مرتبطة تقريبا بكل شيء خارج المؤسسات الرسمية التي عندما تعمل بفعالية ربما تقض مضجعه بجبايتها للرسوم والضرائب.

[email protected]