جائزة المليون

TT

اشتركت لفترة ضمن فريق مهمته تبليغ الفائزين بجائزة المليون ريال التي تبنتها إحدى الصحف لفترة من الزمن، فكنت أنتقل مع الفريق إلى المدينة التي يسكن فيها الفائز في نهاية كل شهر لتبليغ سعيد الحظ بفوزه وفق خطة نفسية متفق عليها مع بقية أعضاء الفريق.. فكنا نتدرج في إبلاغ الفائز بالمبلغ حتى نصل إلى رقم المليون لنسجل بعد ذلك دهشته وفرحته في تغطية تقوم الصحيفة بنشرها في اليوم التالي، وكنا ننجح شهريا في تصوير مشاعر الفائزين، وتصرفاتهم إثر إبلاغهم بالفوز، باستثناء شخص واحد سبب لنا الكثير من الإحباط، وكنت من تولى إبلاغه بالفوز بمبلغ المليون، فاكتفى بمط شفتيه، وهو يلقي بين عيني وجها خاليا من الملامح، يشبه ورقة بيضاء لم يخط عليها الزمان سطرا من قبل.. ووسط حيرتي بادرته بالسؤال:

ـ ماذا ستفعل بالمليون؟

تركني في دوامة صمت ظننتها لن تنتهي، تنحنح الرجل خلالها، وسعل، ثم اعتدل في جلسته، وأصلح من وضع «شماغه» فوق رأسه، كما ثبت نظارته ـ كعب الفنجان ـ على عينيه، قبل أن يقول:

ـ لا أدري.

لو كان بيدي وقتها لحملت المليون، ورجعت عائدا من حيث أتيت، فالرجل رغم تواضع منزله، وملبسه، ومركبه، وسائر مظاهر حياته إلا أنه تمسك بقدر كبير من اللامبالاة تجاه فوزه بالمليون، وكأنه يمتلك مثله الكثير.. وكظمت غيظي وأنا أدلق على مسامعه سؤالا آخر:

ـ هل ستخصص جزءا من المبلغ للعمل الخيري؟

فكر الرجل، وتدبر، ثم قرر قائلا:

ـ لا أدري!

فألقيت في كفه بشيك المليون، وخرجت أكتب للصحيفة تغطية بعنوان «رجل اللاأدري داهمه الفوز فاستقبل المليون بالصمت»!

ولم تكن جائزة المليون مصدر سعادة للفائزين بها دائما، فلقد تسببت ذات مرة في تمزيق شمل أسرة اعتادت أن تعيش حياتها هانئة سعيدة قبل أن يباغتها المليون، فالزوج المسكين الذي أدمن المشاركة في كل المسابقات كان يشارك باسم زوجته وأبنائه على مدى سنوات من دون أن يحالفه الحظ، حتى تبسم له أخيرا بفوز إحدى مشاركاته المسجلة باسم زوجته بمبلغ المليون، لتتجمع أسرة الزوجة، وتصدر «فرمانا» يقضي بأن المليون من حق الزوجة، وأنها لو منحته جزءا من المليون فإنه سيتزوج عليها، وستبلى بضرة تحول حياتها إلى جحيم.. وهكذا قلبت جائزة المليون حياة تلك الأسرة السعيدة رأسا على عقب، وخرج الزوج المسكين «من المولد بلا حمص» ليعود من جديد أعزب كما بدأ..

كفانا الله وإياكم شرور الملايين.

[email protected]