هيلاري: الماضي.. أوباما: الحاضر

TT

إنها واحدة من تلك اللحظات التي تجعل بدنك يقشعر، وأنت تشاهد الجمهور المحيي واللافتات المتحركة في الأيادي، بينما المرشح وعائلته يذكّران بكينيدي في لحظة انتصار مذهلة. صعد باراك أوباما إلى خشبة المسرح ليلة الخميس الماضي، في ديز موانز ليعلن عن مبرر أمله:

«قالوا إن هذا اليوم لن يأتي أبدا. وقالوا إن عيوننا ارتفعت إلى مستوى عال جدا».

مع ذلك، فها هو ابن رجل كيني وأم من كنساس، يقف ببشرته البنية وشعره القصير مع سيطرة كاملة لما يسميه «اللحظة الحاسمة من التاريخ».

كشفت لنا المؤتمرات الانتخابية في أيوا، عن أميركا أخرى نحب أن نؤمن بأننا نعيش فيها، بلد على استعداد لاحتضان رجل ببشرة سمراء زعيما له. هل حقا هذه الأرض هي مكان الانسجام العرقي والفهم؟ لا. ليس كذلك. قال أوباما في خطابه بعد انتصاره في أيوا: «نحن أمة واحدة ونحن شعب واحد ووقتنا للتغيير قد جاء». لكننا نرى الأمور أحيانا بطريقة مختلفة إلى الحد الذي نختلف فيه حتى على زرقة السماء.

قضيت مساء الخميس أقدم تعليقات تلفزيونية حول نتائج انتخابات المؤتمرات الحزبية. وخلال فترة اعلانات قالت زميلة، هي راتشيل مادو وهي بيضاء أيضا معلقة، إن أهالي أيوا البيض الذين يمتلكون وجهات نظر عنصرية قد لا يريدون التعبير عنها علنا في انتخابات المؤتمرات الحزبية، حيث على المشاركين أن يتخذوا موقفا علنيا. لكنهم لن يحتاجوا إلى التصويت السري بشكل يتعارض مع قناعاتهم الداخلية.

لكن في ساعات أبكر من ذلك اليوم استقبلت عددا من المتحاورين، من بينهم امرأة عرفت نفسها بأنها أميركية أفريقية وسبق لها أن كتبت حول مخاوفها من أن الطبيعة العلنية لعملية أيوا ستفسد من حظوظ أوباما. وعبرت عن خوفها من أن الناخبين البيض يتقاعسون عن كشف دعمهم لرجل أسود باسم مسلم مثل أوباما لجيرانهم، حتى لو كانوا راغبين في التصويت له عبر الاقتراع السري.

وفي برامج الجمعة لإذاعة تستقطب جمهورا أسود بالدرجة الأولى سأل مقدم أحد البرامج مايكل بيسدن المستمعين إذا كان دعمهم لأوباما هو بسبب عرقه. أجاب معظمهم أن دعمهم له يعود الى مواقفه تجاه القضايا، وهذا يجب ألا يكون أمرا مفاجئا. فالأميركيون الأفارقة لم يترددوا يوما في رفض مرشحين أفارقة ـ كالجمهوريين مثلا ـ لا يشتركون معهم في وجهات نظرهم. لكن من المستحيل ألا تلمس مشاعر الفخر لدى المتصلين بالإذاعة.

يمكن القول إن التغيير الذي يمثله أوباما هو تغيير متعلق بالأجيال، وهذه الحقيقة واضحة للعيان عبر كل حملة أيوا، اذ استخدم المتطوعون الشباب المناصرون لأوباما كل المهارات والأدوات الخاصة بعصر المعلومات لإتقان العملية السرية لانتخابات المجالس الحزبية. وقدمت حملة أوباما رسالة بسيطة ومتكررة. وعلى العكس من ذلك كان التحول المستمر في شعارات هيلاري كلينتون هو السائد، بينما كانت خطب جون ادواردز حول الوعي الطبقي قديمة.

يمكنك أن تتلمس الفروق بين ما قاله المرشحون ليلة الخميس. فهيلاري كلينتون كان يقف بجانبها زوجها بيل ووزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. بينما كان يحيط بأوباما الشباب. وأي شخص شاهد ذلك سيتسلم الرسالة: كلينتون هي الماضي وأوباما هو الحاضر.

تعتمد النقلات النوعية دائما على الشخص المناسب في الوقت المناسب، والأمر الجديد لن يحدث أبدا حتى يحدث حقا. وكل ما نستطيع قوله هو أنه في ما يخص الديمقراطيين في أيوا فإن رجل اللحظة كان أوباما.

نحن نحقق تقدما، سواء كان أوباما الرجل المناسب لهذه اللحظة الحاسمة أم لا. لكنني أؤمن أن الصفحة قلبت.

*خدمة «واشنطن بوست»- خاص بـ «الشرق الأوسط»