الإسلام السياسي في مأزق

TT

أنا مؤمن والله أن الإسلام هو الحل عقيدة وحكماً ومنهج حياة، ولكن على طريقة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وسوف أكون اليوم شجاعاً بدرجة إيصال صوت النصح لإخواني الإسلاميين في الحركات الإسلامية، وسوف أترك المجاملة حتى أنتهي من كتابة هذا المقال، فأقول: ألا يكفينا ما مرَّ بنا من تجارب وحوادث دامية مبكية أثمرتها المواجهة مع الحكام والصدام الدموي معهم دون فهم لسنن التأريخ وتدبر للواقع؟ لماذا اتجه أهل الإسلام السياسي من إصلاح الفرد والأمة إلى طلب الحكم والحرص على الكرسي بأي ثمن ليحكموا شعوباً جاهلة بالدين (هريانة كحيانة)؟ لماذا نجعل إقامة الخلافة من أهم مطالب الدين ومقاصد الملّة كما قالت الشيعة في الإمامة؟ بل أهم مطالب الدين الإيمان بالله وحده وإفراده بالعبودية وأتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بطاعته، لماذا نحرص كل الحرص على تولِّي المناصب التي رفضها من هو أتقى وأعلم وأكرم منّا: الثوري، ابن المسيب، الحسن البصري، مالك، الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد وكل أئمة الإسلام؟ ما هذا التصعيد الحاد في الخطاب، وطلب المنازلة، والحرص على المواجهة؟ هل نريد زيادة في التنكيل بنا وذبح أبنائنا وهدم بيوتنا وتشريد نسائنا؟ أقول وقلبي مع الإخوة في فلسطين وهم يعيشون الحصار والقتل والتدمير والتّضييق بل المجاعة والاجتياح من قبل عدو شرير مارد أُعطي الفرص من كل الأطراف لممارسة العبث والهوج والتلاعب بدماء المسلمين. وأنا لا أطالب الإسلامييّن بسياسة بعض الأنظمة العربية التي آثرت الذّل والخنوع والتبعية مع المحتل، إنني أطالب الإسلاميين بسياسة رسولنا صلى الله عليه وسلم الإمام القدوة فإنه في حال الضعف آثر عدم المواجهة كما فعل مع المشركين في مكة، واهتم صلى الله عليه وسلم بإصلاح الناس وتربيتهم وتعليمهم حتى أخرج جيلاً راشداً مثاليّاً، ثم أقام دولة هي أعظم وأعدل دولة عرفها التأريخ، وعلى الإخوة في فلسطين وفي غيرها من بلاد الإسلام أن لا يعوّلوا كثيراً على المواقف الشفويّة العاطفية المجردة من النفع والتي تنتهي بخطاب مواساة وتضامن يوقعه ألف عالم إسلامي، فوالله لو كتبت عريضة بدون دعم مالي وعسكري ووقع عليها مائة عالم مسلم وأذاعتها أشهر قناة فضائية «99» مرّة لما أطعمت هذه العريضة أبناء الشعب الفلسطيني خبزاً من «البقّالة» ولا أسقتهم كوب ماء، ماذا جنينا من المواجهة الدموّية مع النظام في مصر وسوريا والجزائر وتونس غير السجون والقتل ويُتم الأبناء وضياع الأسر وحظر الدعوة والتضييق على العلماء، وكأن بعض الإسلاميين يرون أن الإنسان لن يدخل الجنّة حتى يسجن ويقطّع ظهره في الزنزانة ثم يذبح ويسلخ (بل نسأل الله العفو والعافية) وفي الحديث: «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية»، وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته: أن الطوائف المحتسبة من أهل العلم ما قامت على سلطان عادل أو ظالم إلا كانت الدائرة على تلك الطائفة؛ لأنها جهلت المنهج النبوي على حديث: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، فبدل أن تقوم هذه الحركات الإسلامية بالدعوة النبوية وإصلاح الأمة وتربية الجيل تريد أن تقفز إلى رأس الهرم وتهمل القاعدة وتواجه أنظمة ولو أنها فاسدة ولكنها تملك طوابير العسكر وجيوش الشرطة وأسراب الطائرات وقوافل الدبابات، بينما عند الإسلاميين عشرة مراكز صيفية ومائة خيمة كشفية، وانظر إلى الإسلامييّن في الجزائر وأنا أعلم أن النظام ظلمهم حقهم لما فازوا في الانتخابات، كانت طريقتهم في الدعوة غير ناضجة وكان المطلوب منهم تربية الشعب الجزائري الباسل على الإيمان، لأنه خرج من الاستعمار جاهلاً بدينه وعقيدته، وبحاجة إلى تربية إسلامية راشدة، ولكن ترك ذلك كله إلى خطب رنّانة طنّانة حماسية عاطفيّة تدعو إلى: النزال النزال بلا علم ولا رويَّة، ثم قامت المظاهرات والاشتباكات ثم القتل والتدمير ثم تمزيق الشعب الجزائري وإزهاق أرواح ربع مليون مسلم حرام الدم، فهل كان يعرف الإسلاميّون أن حكومة الجزائر عندها نصف مليون من الجيش المدجّج بالسلاح وربع مليون من الدرك الملغم بالقنابل وثكنات من العتاد بينما ليس عند الإسلامييّن إلا ألف كتاب، ومائة مسجد جامع وصحيفة واحدة، أخرجوا لنا الآن عشرة علماء كبار من علماء الشريعة يشار إليهم بالبنان في الجزائر أو تونس أو المغرب أو غيرها، أفيقوا أيها الإسلاميون وحكِّموا سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في دراسة المراحل ومعرفة الحال والفهم لرسالة الإسلام ومقاصد الشريعة، وأصلحوا الناس وردّوا الشعوب إلى الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعونا من العنتريّات والغضبة المضرّية التي ما قتلت ذبابة، بل جرت علينا الويلات والمعتقلات والأزمات، وأنا بالمناسبة أحيي حزب العدالة والتنمية الإسلامي بتركيا وأنا قد زرت تركيا ثلاث مرات فوجدته يربي الناس على تعاليم الإسلام الصحيح، وعنده حكمة وصبر وذكاء ودبلوماسية وفهم للواقع وفقه بالمناخ الدولي، فاعتبروا أيها الإسلاميون وأعيدوا القراءة من جديد وهذه نصيحة من أخ ناصح محب (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب).