وطفت ببيت الله الحرام (3)

TT

ما زلت أكتب عن التجربة الفريدة التى مرت عليّ في زيارة الكعبة الشريفة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم... أما الوقوف على عرفات فهو حدث إسلاميٌ جلل وهو ركن الحج الأعظم، وهي تجربة مفيدة حيث كنا نجلس بالساعات الطويلة ونحن نتناقش في أمور الدين ونقرأ القرآن وفي نفس الوقت نقابل الأحباب والأصدقاء، ومن الصدف الجميلة مقابلة فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، وهو رجل مستنير وكانت نصائحه لنا كثيرة وجلسنا معه جلسة ود وحب، وأنا شخصياً أحترم هذا الرجل وأقدره وأثق في فتواه وقد تجمع حوله الشباب، وبعد نزولنا من عرفات الله توجهنا إلى مزدلفة وأدينا صلاتي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً اقتداءً بسنة الرسول (ص)، ثم جمعنا الحصى وتبلغ عددها تسعاً وأربعين حصاة وذلك استعداداً لرميها وقد تملكني إحساس بالقوة والانتصار على الشر ونحن نقوم برجم الشيطان.

وبعد أن استكملنا باقي مناسك الحج جاءت لحظة طواف الوداع الذي حدث مع صلاة الفجر، وبفضل الله سبحانه وتعالى استطعت أن أصلي أمام الكعبة مباشرة وأن أصل مرة ثانية بعد الصلاة لأقبل الكعبة وأودع المكان والدموع تذرف من عيني بغزارة..

وهناك بعض الملاحظات التي أود تدوينها وهو أنني فوجئت بالتقدم الهائل الذي حدث في المملكة العربية السعودية وهذا كله راجع إلى تفكير خادم الحرمين الشريفين ومساعديه في أن يبدأوا بما انتهى إليه العالم فاستطاعوا أن يقيموا الطرق الجميلة والمدن المنظمة، وقد انبهرت أكثر بمدينة جدة من حيث الجمال والنظافة وهي تضارع أجمل مدن أوروبا وأمريكا. وقد استطاعت المملكة العربية السعودية أن تنظم الحج هذا العام دون حدوث أي مشاكل، ولا يمكن أن أتصور أن هناك أي دولة أو أمن يستطيعون السيطرة على هذا الكم الهائل من البشر الذي يصل لحوالي ثلاثة ملايين حاج يذهبون إلى كل مكان في نفس الوقت واللحظة وبتنظيم علمي جاد، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى هو الحافظ ونحن نشعر بذلك في العديد من الأوقات.

ولكن الشيء الذي لم يعجبني هي المباني المرتفعة التي تحيط بالكعبة، ورغم أن المساحة حول الكعبة صغيرة إلا أن التوسع العمراني كان يمكن أن يتم خلف الجبال العالية، وهذه المباني رغم تناسقها وتناسبها المعماري إلا أنني أدرك بأنه سوف يأتي اليوم الذي يجب أن يعاد تخطيط تلك الأماكن المحيطة بالكعبة، وهناك شيء آخر لم استطع أن أصل لإجابة عليه، وهو هل تم عمل مسح أثري للمناطق المحيطة بمسجد الرسول (ص) بالمدينة المنورة قبل بناء الفنادق القريبة بالمسجد النبوي؟ وهل تم نفس الشيء في المناطق العمرانية المحيطة بالحرم المكي للبحث عن أدلة في هذه الأماكن قد تساعدنا على فهم طبيعة هذا المكان المقدس قبل الإسلام وبعده.

إنها تجربة فريدة بالنسبة ليّ أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن تتكرر وأرجو أن يكون كل المسلمين شاكرين لما قامت به المملكة من حسن استقبال لضيوف الرحمن، وقد سعدت جداً وأنا أستمع إلى خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين وهو يحيي ضيوف الرحمن ويندد بالإرهاب ويشيد بالجنود الذين يسهرون على راحة حجاج بيت الله...

www.guardians.net/hawass