الرقيب والفيلد مارشال

TT

في 12 نيسان 1980 قام 17 جنديا بقيادة الرقيب صامويل دو (28 عاما) باقتحام البوابة الحديدية للقصر الجمهوري في مونروفيا ودخلوا مخدع الرئيس وليم تولبرت وهو في بيجامته واطلقوا على رأسه ثلاث رصاصات ثم اقتلعوا عينه اليمنى ونزعوا احشاءه ورموا ما بقي في حفرة الى جانب جثث المدافعين عن القصر. وبعد ذلك اعتقلوا الوزراء واحالوهم الى «محكمة» عسكرية قضت باعدامهم جميعا.

ووسط هتاف الجماهير (اياها) وابتهاجاتها، جرى توثيق 13 مسؤولا بخطوط الهاتف نقلوا ـ وخلفهم مصورو التلفزيون ـ الى شاطئ العاصمة، وراح الجنود يتناوبون اطلاق النار عليهم. ولما فرغت البنادق تناوبوا على ركل الجثث.

عقد ادنى العسكريين الافريقيين الانقلابيين رتبة مؤتمره الصحافي الاول وهو يرتدي ثوب القتال ويلبس جزمة عالية ويحمل سيفا ومسدسا ضخما وجهاز اتصال لاسلكيا. واعلن الرقيب دو تشكيل «مجلس الخلاص الوطني» ليس الا وبعدها بدأت الخطوات المألوفة: حملات «تأليه» الزعيم وتأكيد معصوميته. وبما اننا في افريقيا، فقد كان هناك شيء آخر ايضا: اقناع الناس بأن الزعيم دو لا يمس ولا يصاب ولا يموت حتى في حادث طائرة او كلة مدفع.

حكم صامويل دو ليبيريا نحو عشر سنين، مؤيدا من السفير الاميركي الذي امتدح «العملية الانتخابية» في البلاد، وأقام مقرا لإذاعة «صوت أميركا» في العاصمة. وتحولت السفارة الى المركز الرئيسي للمخابرات الاميركية في افريقيا. ومنح السلاح الجوي الاميركي التسهيلات التي طلبها. ومضى صامويل دو يحكم على طريقته: توسيع السجون والمقابر وإخفاء الخصوم واغلاق الصحف. وقد وصفه السفير الأميركي وليم سوينغ في إحدى رسائله بأنه «صبي عزيز» تحببا.

انهارت ليبيريا كدولة في اللحظة التي وصل فيها الرقيب الأول الى السلطة. بعد خمس سنوات حاول قائد الجيش السابق توماس كوينوبكوا التمرد وخلع سيده. وطارده رجال دو الى ان عثروا عليه في أحد اسواق مونروفيا: قطعوا ذكره (وسط هتاف الجماهير). ثم قطعوه. ثم أكلوه. الا القوادم والاحشائيات!

بعد تسع سنوات نجحت فرقة متمردة بقيادة المدعو برنس جونسون في الوصول الى العاصمة. وفيما دو في طريقه الى الميناء اطبق رجال جونسون عليه ونقلوه الى أحد المنازل القريبة. وبناء على أوامر جونسون تم بعدها تصوير كل خطوة. بالألوان.

ثم دعا جونسون الى مؤتمر صحافي عرض فيه الفيلم الوثائقي، أو التسجيلي. في هذا الفيلم الجيّد الاخراج يبدو الرئيس دو وقد عريَّ الا من كيس التين. يتطلع دو في «المحققين» وقد امتلأ وجهه بالدماء والجروح وآثار اللكمات. يقول: فكوا وثاقي لكي اتكلم. أنا لم أأمر بقتل أحد في حياتي!

مشهد: برنس جونسون يجلس في هدوء خلف مكتبه، وفي يده زجاجة جعة، يقول في صوت خافت «اقطعوا اذنه اليسرى». تمر سكين على أذن دو اليسرى فتقطعها. يصرخ دو من الألم، فيما يرفع جونسون الاذن اليسرى فوق فمه قبل ان يشرع في مضغها. يطرح جونسون اسئلة أخرى. يرفض دو الاجابة. يأكل جونسون الاذن اليمنى. ثم يتقدم المحقق من دو ويمسكه من عنقه (بعد سقوط اذنيه) ويقول له، ردد خلفي: انا، صامويل دو، اعلن ان الحكومة اطيحت ولذا اطلب من القوات المسلحة الاستسلام للفيلد مارشال برنس جونسون.

بيعت مئات ألوف النسخ من الفيلم في أفريقيا الغربية. وافتقد السفير وليم سوينغ صديقا ديمقراطيا.