من طرائف الفساد

TT

كما أن للفساد والارتشاء جوانبهما المؤلمة والمخزية والمؤدية الى التخلف لهما ايضا جوانبهما الطريفة الساخرة. فالواقع أن جل ما في العالم من السخرية والفكاهة يتعلق بالظلم والقهر. لنا في حياتنا السياسية المعاصرة ثروة كبيرة من ذلك ولكنني طبعا سأتحاشى عالمنا العربي خوفا من ان أحرق اصابعي وأجد نفسي مكبلا أمام القضاء وليس بيدي ما ارشي به حضرات القضاة. ولماذا أفعل ذلك، وللغربيين رصيدهم في الميدان. فلأبدأ بالكاردينال ريشيليو، رئيس الحكومة الفرنسية في القرن السابع عشر. وكان غفر الله له من أئمة الساسة الفاسدين، لا يشبع من المال ولا من النساء.

ضبطت عليه إحدى عشيقاته سرقة من سرقاته، فابتزته، فحاول كم فمها بإعطائها حصة من الرشوة، دفع لها أربعين ألف فرنك. ولكن يظهر انها لم تعتبر ذلك كافيا فعمدت الى فضحه في المجلس. فجرى تحقيق في الأمر. سألوه عن سر المبلغ الذي دفعه لها. فقال هذا للستر على وجهها. فردت عليه قائلة، كلا، بل دفعه لي ليستر على وجهه هو.

الواقع ان ريشيليو كان يمثل العصر الذهبي للفساد في فرنسا. وكان لويس الرابع عشر في قمة ذلك. خرج يوما للصيد ولاحظ احد حاشيته انه لا يلبس القفاز في يديه حتى في أشد ايام البرد. فعلق على ذلك فأجابه زميله قائلا ان الملك لا يحتاج للبس أي قفاز لأن يديه في جيوبنا طوال الوقت. وبالطبع كانت حاشيته على نفس الدرجة من الفساد وكان هو على تمام العلم بها، حتى انه في إحدى المناسبات كسب مبلغا كبيرا في لعب الكرة فوضع ما كسبه في قبعته ولبسها قائلا: هذا لأضمن أن القائمين بخزينتي لن يسرقوا شيئا منه لو تركت المبلغ يمر بأيديهم.

وكانت المناصب والرتب العسكرية العليا تباع وتشترى. الضابط الذي لا يملك ما يدفعه لرئيسه يبقى في أدنى المراتب ويساق الى أخطر المعارك والمهالك. حدث مثل ذلك عندما تضايق الكولونيل كروات من ضابط صغير تحت إمرته فقال له: احترم نفسك وتذكر الفرق الذي بيني وبينك. فقال له الضابط الصغير برتبة ملازم: اعرف ذلك الفرق جيدا. فأمثالك يحصلون على رتبتك بثلاثين الف ليرة، وأمثالي من الضباط تصنعهم خبرة ثلاثين سنة من الخدمة والتجارب في الحروب.

واستمر الفساد في الادارة الفرنسية عبر السنين. فحتى في عهد الملك لويس فيليب في القرن التاسع عشر يقال إن مستدعيا راجع موظفا كبيرا فحاول إرشاءه بمبلغ خمسة آلاف فرنك. وقال له: هذا شيء بيني وبينك ولن انطق بحرف واحد عن الموضوع لأي أحد. فقال له الموظف: كلا، بل اجعل المبلغ خمسة وعشرين الف فرنك ولك ان تحكي عن الموضوع لكل الناس.

والظاهر ان ذلك الموظف كان يرتجي من الحكاية الاعلان عن نفسه ايضا كموظف تستطيع ان تتعامل معه بالرشوة ولن يتردد في قبضها وإنجاز ما تريد، فالإعلان من أسس الكسب في هذا المجتمع التجاري.