باكستان: خطة أميركية للاستيلاء على السلاح النووي

TT

في جلسة مع بعض الأصدقاء الباكستانيين إثر اغتيال بنازير بوتو، كان حديثهم منصباً على «عدم وجود أي علامة حزن على وجه زوجها آصف علي زرداري»!

وفي اتصال مع احد الزملاء البريطانيين عما اذا كان على العالم ان يصاب بقلق من احتمال وقوع السلاح النووي الباكستاني في ايدي «القاعدة» او «طالبان» او المتطرفين، ابلغني، ان لدى واشنطن خطة اعدتها بالتنسيق مع مجموعة من الضباط العسكريين والأمنيين في باكستان، تقوم بموجبها القوات الاميركية بعملية عسكرية لنقل المواد النووية الباكستانية، ومن ثم نسف كل المنشآت والتسهيلات، بحيث لا يقع السلاح النووي او مخازنه بأيدي الاعداء.

لم يكن اغتيال بنازير بوتو بالحدث غير المتوقع، خصوصاً بعد العملية الانتحارية الأولى التي «استقبلتها» يوم عودتها، وأسفرت عن مقتل ما يفوق الـ 134 شخصاً.

لقد كرسها الاغتيال، بطلة في زمن لم تعد مواجهة الموت من صنع الرجال. لكن هذا الاغتيال رغم بشاعته وحقارته لن يضع باكستان على مفترق طرق.

في الواقع ان باكستان على مفترق طرق منذ انشائها عام 1947، ومنذ اقتطاع بنغلاديش منها عام 1971. وتمر باكستان الآن في ازمة، فالباكستانيون شعب مرن ويمكنه ان يستوعب هذه الأزمة. لكن، وكما يقول البروفسور الباكستاني اكبر احمد: «انها نهاية مرحلة مشرّف (الرئيس برويز مشرف)، اننا نشهد ولادة مرحلة ما بعد مشرّف، ولا نعرف ما ستكون عليه». منذ اكثر من عشر سنوات ومشرّف على رأس الدولة، وقد يكون من انجازات بنازير انها دفعته الى التخلي عن البذلة العسكرية (القائد الأعلى للقوات المسلحة) وإلغاء حالة الطوارئ، ليجد نفسه بعد رحيلها، انه لا يرأس حزباً سياسياً كبيراً، والانتخابات قريبة، وسيكون من الصعب عليه التأقلم مع الوضع الجديد.

مع قرب انتهاء مرحلة مشرّف، انتهت مرحلة بوتو، لأنها رحلت، ولأن «حزب الشعب الباكستاني» يترأسه اليوم زوجها، والكثير يعتمد على طريقة قيادته للحزب، وتعاطيه مع اعضاء الحزب، وكيف سيشرف على الحزب اثناء استعداده لخوض الانتخابات، ونوعية السياسة التي سيعتمدها. وكما يقول البروفسور احمد: «آصف زرداري شخصية مثيرة للتناقضات، صار الآن تحت المجهر، يميل الى المواجهة اكثر من بنازير، وهذا يعني انه اذا فاز «حزب الشعب» في الانتخابات، عليه ان يقرر الطريق التي سيأخذ اليها باكستان».

مشكلة زرداري، ان ماضيه يلاحقه، والذين يعارضون «حزب الشعب» لن يثقوا به، أما الذين يؤيدون الحزب فسيدعمونه بسبب العواطف المتأججة الآن، ولأنه يخلف بنازير مع ابنها بيلاوال. انما عليه ان يغير من اسلوبه، وان يظهر نضجاً وعمقاً، والا فان التوتر داخل الحزب سيطفو على السطح.

لم يغلق اغتيال بنازير أياً من الملفات المطروحة في باكستان، ودائماً هناك ملفان يبقيان الأكثر بروزاً: الديموقراطية التي يقول كثير من الباكستانيين الآن بأنه يجب الا يؤخر الاغتيال، استتبابها، والجيش، الذي يقول مراقبون: ان باكستان لا تُحكم الا بالمؤسسة العسكرية.

ويقول البروفسور احمد: «منذ ستين عاماً وتاريخ باكستان مقسوم ما بين الديموقراطية والنظام العسكري. الديموقراطية لم تنجح بشكل حقيقي، لأننا مررنا بمراحل من الديموقراطية ادارها حكام فاسدون او غير كفوئين فيتدخل الجيش، وبسرعة يخترق الفساد وعدم الكفاءة القيادة العسكرية، فندخل في ازمة جديدة. وهكذا ظلت باكستان تتأرجح ما بين الديكتاتورية العسكرية والحكم المدني الفاسد». ويضيف البروفسور احمد: «ان باكستان في حاجة الى ان تكون واضحة بالنسبة الى مستقبلها، وعليها ان تتمسك بالديموقراطية. لأن مؤسس الامة محمد علي جناح أسس امة اسلامية حديثة قائمة على الديموقراطية واحترام الدستور، والباكستانيون كلهم يحترمون جناح. هذه هي المعادلة الوحيدة التي تلائم كل باكستان، ولا بد ان ننجح في النهاية. عام 1947 خرجت الى العلن الهند وباكستان. الديموقراطية الهندية نجحت لأن الشعب هناك لم يتخل عنها».

ويرفض البروفسور احمد الطرح القائل، ان باكستان اليوم، حيث «القاعدة» و«طالبان» وأسامة بن لادن، تختلف عن تلك التي تصورها جناح. ويقول: «العالم كله يتغير، المجتمع يتغير والتحديات تتغير. هناك العناصر المتطرفة، وهناك ايضاً الباكستانيون الذين يريدون استعادة بلادهم كما يتصورونها. حالياً الجو في باكستان معادٍ للجيش، ولن يقبل الشعب استمرار الحكم العسكري. والحل الوحيد هو عبر الديموقراطية. منذ عشر سنوات وباكستان تعيش في ظل الحكم العسكري، ولم يصل بنا الى أي مكان، لذلك فإن الأمل معلق على الانتخابات». لكن، اذا لم يُزوّر مشرّف الانتخابات سيواجه ببرلمان معاد له، لأن حزبي ـ بوتو ونواز شريف ـ معاديان له أصلا. ثم ان الجيش لن يستطيع الدفاع عن انتخابات مزورة، لأن الجو العام في باكستان متوتر، فالناس غاضبون جداً، وإذا جرى تزوير فان ردة فعل الناس ستكون عاصفة، وستعم الفوضى التي ستصب في مصلحة «القاعدة» و«طالبان» والمتطرفين. ومع هكذا سيناريو سيتم تأجيل الديموقراطية وستزداد معاناة الناس.

هناك الكثير من علامات الاستفهام المطروحة، اذ انه من الصعب ان تجري عملية اغتيال بوتو من دون تواطؤ من داخل الأجهزة الأمنية. ويوافق البروفيسور احمد على هذا الطرح ويقول ان الاغتيال اثار الكثير من الشكوك لديه، اذ ظهر وكأنه مخطط له بمهارة: «لم نشاهد على التلفزيون رجال شرطة، لم تكن بنازير محمية، وحسب البروتوكول كان يجب ان تتوفر لها نفس حماية الرئيس بصفتها رئيسة وزراء سابقة، ومع هذا، رأينا احدهم على بعد خطوات قليلة منها، يقترب ويطلق النار عليها».

ولكن، كيف يمكن لـ«حزب الشعب» ان يعمل مع مشرّف بعد الانتخابات، في حين ان الحزب يحمّل مشرّف مسؤولية اغتيالها؟ يقول البروفيسور احمد: «سيكون الامر صعباً جداً، ان العلاقة بين «حزب الشعب» والجيش كانت دائماً معقدة، فالجيش اعدم مؤسس الحزب (ذو الفقار علي بوتو)، والاتفاق الاخير كان يمكن ان ينجح لو تمكنت بنازير ومشرف من التوصل الى تفاهم ما، الاثنان كانا يحتاجان لبعضهما. الآن تغير الوضع، وزرداري يقود الحزب، وهو يتهم الحكومة علناً باغتيال بنازير وقد يكلف على حسابه، اجراء تحقيق منفصل ربما يشير في النهاية الى مشرّف، ولهذا من الصعب عقد أي تحالف بينهما، وهذا يترك مشرف معرضا...».

المشكلة في باكستان، ان الزعماء السياسيين لا يثقون ببعضهم، فكما ان «حزب الشعب» يتهم مشرّف ونظامه بالمسؤولية المعنوية في اغتيال بنازير، فان مشرّف اتهم نواز شريف بالتخطيط لاغتياله وإسقاط الطائرة المدنية التي كانت تقله، ونجح مشرّف وهو في الطائرة في القيام بانقلاب عسكري في تشرين الأول (اكتوبر) عام 1999.

هذا يسيء الى باكستان التي تحتاج الى استقرار وقيادة حكيمة. وهذان العنصران لا يوفرهما مشرّف لأنه جزء من المشكلة، وجزء من الحل، وهو لا يرى نفسه الا جزءاً من الحل، وهنا تكمن المشكلة، لذلك قد تتجه الانظار الى القائد العسكري الجديد الجنرال اشفق برفيز قياني الذي قد يلجأ الى اختيار شخصية حيادية لتقود باكستان، ويطلب من مشرّف التنحي. لكن يستبعد البروفيسور احمد ان يقوم الجنرال قياني بهذا العمل في الوقت الراهن، «لأن ولاءه لمشرّف الذي عيّنه، لكن اذا انهار الوضع وتفاقمت الأزمة السياسية في الأسبوعين المقبلين، وهذا امر وارد، عندها، قد يأتي قياني الى مشرّف ويطلب منه التنحي: لأن الشعب الباكستاني لم يعد راضياً عنه. ودائماً عندما يتحرك القائد الأعلى للقوات المسلحة، يعيّن نفسه، وسنعود مجدداً الى حالة اعلان الطوارئ».

على كل، الاسابيع الاربعة المقبلة حاسمة في تاريخ باكستان. قبل ثلاثة اشهر كان هناك لاعب اساسي على المسرح السياسي هو برويز مشرف، ثم صار هناك لاعبان: مشرف وبنازير، الآن، يوجد لاعبان جديدان: زرداري وقياني، وسنراقب في الاسابيع المقبلة كيف سيلعبان، وبعدها سنرى كيف سيتقدمان باتجاه الانتخابات، وما سيجري بعد ذلك.

هذا لا يعني استبعاد كل دور لنواز شريف. هو لا يريد ان يتعاطى اطلاقاً مع مشرّف. انهما يكرهان بعضهما البعض. سيكون لنواز دور محتمل في مستقبل باكستان لأن قاعدته الاساسية في البنجاب، اهم منطقة في باكستان.