انفجار ديار بكر وتقاطع الحسابات والمصالح

TT

ديار بكر مدينة واقعة في قلب منطقة جنوب شرق تركيا، تطل على نهر دجلة وتحتل مكانة استراتيجية مهمة ضمن مشروع «غاب» الانمائي الكبير. عانت الكثير منذ اكثر من ربع قرن تحديدا بسبب موقعها الجغرافي وحركة النزوح الكثيف الذي استقبلته من المدن والأرياف المحيطة ناهيك من العبء الذي تتحمله كمركز اراد البعض أن تلعبه لأكثر من سبب تاريخي وسياسي.. ديار بكر كانت قبل ايام على موعد مع انفجار سيارة مفخخة حشيت بأكبر كمية من الحقد لتحطيم حلم عشرات الفتيان، كانوا ينتظرون امام احد مراكز التعليم فرصة دخول احدى الجامعات، وذنبهم الوحيد ان فرض عليهم الفاعل تحمل مسؤولية وجودهم على مقربة من حافلة نقل عسكرية اراد تفجيرها في اكثر الاماكن حركة ونشاطا في المدينة بإرادة ارهابية قررت ان تقول شيئا ما، فجاء بطعم المرارة ولون الدم ورائحة البارود.

قيادات «حزب المجتمع المدني» الذي يستمد قواه من مدن جنوب شرق تركيا، لم تشأ تفويت هذه الفرصة، فسارعت للتنديد بالعملية التفجيرية مطالبة بالكشف عن مرتكبي هذا العمل التحريضي وكل من نفذ عمليات مشابهة في السابق وبأسرع ما يمكن، مما سيتركها حتما وجها لوجه امام افراد البيت الكردي الواحد في محاولة اجراء محاسبة داخلية، قد تتحول اذا ما احسن استغلالها الى فرصة تاريخية لفتح صفحة جديدة تسحب الورقة الكردية من يد حزب العمال وتسهل جلوس قيادات كردية معتدلة امام طاولة الحوار لإطلاق نقاش ديمقراطي بناء يصر عليه رجب اردوغان بعيدا عن إراقة الدماء.

تفجير ديار بكر يحمل اكثر من بعد واهم من فرصة وخاسره الاول والأخير، هو حزب العمال المصنف ارهابيا في البلدان الغربية والأوروبية، والذي يلعب آخر اوراقه باسم الدفاع عن القضية الكردية. حزب العمال ارادها ايضا رسالة جوابية الى اكراد تركيا الذين دعمت غالبيتهم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية الاخيرة، وجعلته الحزب الاول في مناطق جنوب شرق البلاد بعد رسالتهم هم التي وجهوها الى هذا الحزب عشية الانتخابات النيابية الاخيرة في المنطقة، ان لا مكان للعنف والتطرف والتصعيد والتوتير.

بصورة اوضح التفجير الأخير رسالة قبل ان تكون موجهة الى المؤسسة العسكرية والقيادات السياسية في حزب العدالة والتنمية تعني مباشرة اكراد المنطقة الذين يستعدون لتسهيل الطريق امام حزب اردوغان لانتزاع الكثير من البلديات هناك التي يسيطر عليها اليوم حزب المجتمع الديمقراطي. وهذا ما يقلق العمال الكردستاني اكثر من العمليات العسكرية وقنابل الطائرات التي تهدد كهوفه في الجبال. فهل سيكون تفجير ديار بكر هذا رسالة التحذير والتهديد بالتخلي عن دعم حزب العدالة، قادرا على اخافة اكراد المدينة ودفعهم لمراجعة حساباتهم قبل التوجه الى صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية التي يقترب موعدها؟ العملية التفجيرية ثالثا، هي بمثابة محاولة لقطع الطريق على اية طلبات او دعوات يستعد البعض لتوجيهها الى حزب العمال للتخلي عن لغة السلاح والعودة الى حضن الدولة.

قد يكون «العدالة» محقا في مهاجمة حزب العمال ومشروعيته وقدرته التمثيلية بين القواعد الشعبية الكردية في تركيا، لكن طرحه الآخر حول الاستعداد للسيطرة على بلديات يديرها حزب المجتمع الديمقراطي، طرح سياسي حزبي بالدرجة الاولى، والربط بين المسألتين على هذا النحو، يقلق الكثير من المثقفين والمعتدلين الأكراد، الذين يصعب عليهم الجمع بين لغة الحوار وفتح صفحة بيضاء يريدها الجميع، وبين تحويل المسألة الى قضية مواجهة انتخابية سياسية محدودة الأبعاد والأهداف.

* كاتب تركي