أول كتاب لم استطع أن أكمل قراءته!

TT

بقدر فرحتي بالحصول على هذا الكتاب كانت خيبة أملي. فالكتاب ضخم فخم. وجلست أقرأ التعريف بالمؤلف ومقدمة الناشر. وعرفت ماذا رأى في بلادنا وما الذي أذهله والذي حيّره. فأنا لا أقاوم كتاباً. ولم يحدث أن رأيت كتاباً ولم أقلبه من أوله لآخره. ومن آخره لأوله، وقرأت الفهرس والهوامش. والمراجع. وبسرعة أكون قد عرفت أشياء كثيرة عن أي كتاب. هذا الكتاب بالفرنسية وعنوانه: رحلتي الى مصر وسوريا.. والمؤلف اسمه جوزيف لابورث. وهو أحد جنود حملة نابليون على مصر. وقد صدر عن مؤسسة سويسرية تعنى بنشر الكتب النادرة وبخط مؤلفيها. وهي تحتفظ بما لا عدد له من المخطوطات والتحف الأثرية.

يقول المؤلف إنه وجد نفسه في عالم عجيب غريب، لا هو قد استعد له ولا الألوف من جنود الحملة الفرنسية. فالحرارة شديدة والمساجد غريبة وصوت المؤذن ليلاً ونهاراً أعجبُها جميعاً.. ثم انه لا توجد بنات للهوى. ولا توجد خمور، فالإسلام حرمها. ولذلك انتحر كثير من شبان الحملة الفرنسية. ثم تلك التماسيح التي يرونها في النيل..

ولولا أن الآثار الفرعونية قد سحرتهم ما تحملوا العطش والرمل والحرارة والحرمان. أما الفلاحون المصريون فوجوههم بسيطة واضحة. طبيعي أن يكونوا كذلك فهم أبناء حضارة عريقة مستقرة. فتعلموا منها الصبر والكفاح الهادئ والثقة بالمستقبل والرضا والقناعة، كأن ماضيهم يكفيهم..

هذا الشاب الفرنسي لم يمارس صناعة الكتابة. وإنما وجد في نفسه رغبة في أن يقول وأن ينقل مشاعره لأبناء وطنه فكتب 423 صفحة ورسم 34 لوحة بالألوان لمظاهر الحياة في مصر أيام نابليون.

وقد شهد استيلاء الفرنسيين على جزيرة مالطا وفتح الإسكندرية ومعركة أبو قير البحرية واغتيال الجنرال كليبر..

وقد نشرت المؤسسة السويسرية هذا الكتاب الذي ألفه الجندي الفرنسي سنة 1802. ولأمانتها الشديدة نشرته بخط المؤلف. وهذه هي الصعوبة التي صدمتني عن إكمال القراءة رغم أهمية الكتاب. فقد وجدت صعوبة في فك رموز عباراته وحروفها. وليس عندي صبر شامبليون الذي فك رموز اللغة المصرية القديمة. ووضعت الكتاب جانباً. ثم رددته لصاحبه. فليس عندي وقت لهذا الكتاب. فعندي كتب أخرى أراها لا تقل أهمية وإن كانت أقل صعوبة..

وهذه هي المرة الوحيدة في حياتي التي أرد فيها كتاباً، غير مأسوف عليه!