من الأولى بتسديد الفاتورة.. الصحة أم المواطن؟

TT

حينما يفشل زوجان سعوديان فقيران في إيجاد حضانة لطفلهما الذي ولد قبل الأوان في أحد المستشفيات الحكومية، ويضطران إلى إلحاقه بأحد المستشفيات الخاصة، لتصل الفاتورة إلى مئات الألوف، فالذنب ليس ذنبهما، ولكنه مسؤولية وزارة الصحة في الأول والأخير، وهذا مختصر الحكاية: عجز زوجان سعوديان عن دفع فاتورة الولادة ونفقات حضانة الطفل لأحد المستشفيات بمدينة جدة بعد أن بلغت 307 آلاف ريال، فالطفل الذي ولد ناقص النمو 24 أسبوعا، ووزنه 600 جرام، فشل والده في نقله إلى أحد المستشفيات الحكومية، فاضطر إلى تركه يتربى في عز ذلك المستشفى الأهلي.. ولو كنت مكان والد الطفل لما وجدت ما أفعله لإنقاذه من الموت المحقق سوى ذلك الفعل، فليس كل الناس يمتلكون القدرة على سداد فاتورة بهذه الضخامة.

وقام المستشفى الأهلي برفع دعوى قضائية لمطالبة الأب بدفع التكاليف، وتسلم الطفل، وكنت أتمنى لو رفعت الدعوى القضائية ضد وزارة الصحة، التي فشلت مستشفياتها العامة في مدينة كبرى كمدينة جدة في تأمين حضانة لطفل ولد قبل أوانه، ولأبوين فقيرين وجدا نفسيهما عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهما المادية أمام المستشفى الأهلي، فاضطرا إنقاذا لطفلهما من الموت أن يتواريا عن عيون مسؤولي المستشفى، والابتعاد مؤقتا عن طفلهما، واختزان كل عواطف الطفولة والأبوة في دواخلهما.

والحقيقة أن ملف المستشفيات الحكومية لا بد أن يفتح، فثمة معاناة حقيقية يعيشها الناس مع هذه المستشفيات، التي تعيش حالة طوارئ لاستيعاب أصحاب الحالات الحرجة من مراجعيها فقط في مدن مسكونة بالزحام، ليغدو حال تلك المستشفيات كحال قطار هندي عتيق، يصفر ويزمر ويهتز، ولكنه مجبر على مواصلة السير.

وما لم أستطع فهمه، فإن هذه المستشفيات رغم حالة الضغط التي تعيشها لم تزل تضم أقساما خاصة «مدفوعة القيمة»، واستمرار هذه الأقسام يزيد الأمر تعقيدا، ويتنافى مع الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله هذه المستشفيات، ويتمثل في العلاج المجاني، فإن كانت تلك الأقسام سمح بها في ظروف خاصة، فإن وزارة الصحة في حاجة إلى إعادة النظر حول هذه الأقسام في ضوء المتغيرات والمستجدات والقدرة الاستيعابية لمستشفياتها، ولكيلا ترهق كواهل المواطنين الفقراء بفواتير العلاج في المستشفيات الأهلية، والدعاوى القضائية.. وحسبنا الله.

[email protected]