التمثال

TT

في 9 نيسان 2003 مدت دبابة اميركية خرطومها الى تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، بغداد، ودفعته الى السقوط، فمال جانباً ويد الرجل مرفوعة علامة النصر وامهات المعارك وآباء الحروب. وفرح كثيرون. لكن المبتهجين في ساحة الفردوس ظلوا قلائل حتى شعر مصورو السي.ان.ان بالحرج. وفي عواصم العالم شعر الكثيرون بالخوف. فقد كان سقوط بغداد على ذلك النحو المذهل من السرعة، مثل دعوة مفتوحة لجميع الدول القوية الراغبة في احتلال الدول الضعيفة وتغيير انظمتها. وخاف العاقلون ايضاً من غموض آخر: من سوق يملأ الفراغ الذي تركه صاحب التمثال الذي اسقط؟

كان هناك من لم يشعر بأي أسى، داخل العراق وخارجه. فالرجل ترك حوله، على مدى ربع قرن، اعداء كثيرين وحزانى كثيرين وضحايا عديدة. وكان رمزاً للديكتاتورية والقمع، وهذا النوع من الحكام لا يترك خلفه من يأسف لذهابه. لكن بعد سقوط تمثال ساحة الفردوس وسقوط بغداد بدأ عراق آخر في الظهور. ومع كل مشهد متغير آخر كانت الناس تزداد فزعاً. وكان الخوف الاكبر والاعمق لدى اولئك الذين كرسوا اعمارهم او اقلامهم ـ وبينهم هذا القلم ـ ضد قمعية صدام حسين، ان يأتي يوم يندم فيه العراقيون ومعهم الكثيرون في العالم، على ايامه.

وبدأ الندم عندما شاهدنا صدام حسين يعتقل في حفرة، وفيما طبيب اميركي مليء بالشعور الانساني، يتفقد اسنان الأسير للتأكد من انه كان ينظف اسنانه جيداً طوال فترة المقاومة، وبعد اغتيال ولديه. وكان ذلك مشهد الرأفة الاحتلالية. وشعرنا جميعاً بالحنين الى ذلك النوع من الرحمة، عندما عرض التلفزيون، الرحمة العربية كاملة ومفصلة ساعة اعدام صدام حسين، قبل انتهاء فصول المحاكمة المبالغة في العدالة.

مشهد بعد مشهد في يوميات العراق الذي انقذه بعض المعارضين العراقيين ورجال المارينز، حدث ما كان يخشاه الجميع. ان تترحم الناس على ايام صدام حسين، الذي نشر تماثيله في انحاء العراق رافعاً ذراعه الرؤوفة فوق رؤوس ـ واعناق ـ العراقيين، ومنها التمثال الأكبر في ساحة الفردوس. وقد حدث. وعندما قرأت قصيدة التمثال للأمير عبد الرحمن بن مساعد تأكدت مخاوفي ومخاوف كثيرين أولها مخاوف الشاعر نفسه:

قد الصقوا بك وصف سفاك الدما

واليوم سفك دماء قومك يرتجيك

من بدَّل الاحوال يا حامي الحمى

هل اسقط التمثال صفوة تابعيك

من ذا نصدق عقلنا ام قلبنا

من ذا نصدق كرهنا ام كارهيك

لهفي عليه (العراق) تقطعت اوصاله

والحقد مزقه برغبة خالعيك

هم قد رأوا فينا رؤوساً أينعت

حان القطاف لها: ترقب لاحقيك