طوق نجاة

TT

لا يملك أي منــصف وعـاقل ومتابع للشأن اللبــناني إلا أن يصــاب بالدهشة والاشمئزاز وهو يتابع عددا غير قليل من التصريحات والتعليقات وهي تنطلق كطلقات الرصاص الآلي من أفواه الساسة في لبنان.

ومنذ أيام استضافت احدى المحطات التلفزيونية في لبنان محللا سياسيا أبدى امتعاضه الشـديـد «وقلقه الكبير» من «التدخلات» العربية في المسألة اللبنانية، واعتبار ذلك تأثيرا مباشرا على واقع لبنان ومستقبله. وحقيقة هذا أمر مدهش للغاية! فالمتحدث كان يتكلم من خلال محطة تلفزيونية تتلقى تمويلها بالكامل من دولة خارجية، وهو يعمل في صحيفة تتلقى ميزانيتها كلها من نفس الدولة. والحديث الغريب في لبنان اليوم عن أن الدول العربية تتدخل في اختيار رئيس لبنان القادم، وهذا طبعا هراء واضح إذ أن المرشح الذي اتفق على دعمه أعضاء جامعة الدول العربية في اجتماعهم الأخير بالقاهرة هو العماد ميشال سليمان، وهو المرشح الذي اتفق عليه اللبنانيون أنفسهم والذي قام فريق منهم بوضع سلسلة من الشروط والطلبات شديدة التعقيد والمبالغة تجعل المهمة مستحيلة للمرشح وللبرلمان كذلك.

الأذى الذاتي الذي يقوم بتــقديمه اللبنانيـون على قضاياهم هو نوع متقدم من التدمير السياسي، بالرغم من أن لبنان ظاهره حضاري وديمقراطي وليبرالي إلا أن باطنه هو صراع من القبلية والرجعية، والاحتكام الى روح الغابة والسياسة الداروينية التي تسيطر عليها روح البقاء للاقوى والأصلح. حال الاقتتال الداخلي والخلافات البينية، وتوريث الزعامات هو سيناريو لبناني بامتياز يستجدي التدخلات من الاطراف الخارجية.

هناك محاولات حثيثة يجري عملها الآن لإجهاض والقضاء على المبادرة العربية الحــالية لإنـقاذ الوضع السياسي في لبنان. هذا الوضع يتجاوز وجود فراغ رئاسي وخلو منصب رئيس الجمهورية تحديدا، ولكنه يتعرض للفراغ السياسي في لبنان فراغ الاحزاب، فراغ البرلمان وفراغ مجلس الوزراء وفراغ الزعامات السياسية، إنه باختصار مشهد مقلق وحزين، ولا يمكن أن يستمر الضغط من فريق بعينه يرغب في حل «واحد فقط» وهو توصيل شخص بعينه لكرسي الرئاسة بغض النظر عن ثمن هذه الخطوة.

المؤسسة السياسية المارونية تواجه اليوم منعطفا تاريخيا غير مسبوق في تاريخها، فهي بتذبذبها الحاد وشخصنة الخلاف السياسي بهذا الشكل تجبر نفسها على التقهقر للمراكز الخلفية في صناعة القرار السياسي لصالح غيرها من الاطراف مضيعة على نفسها المكانة التقليدية والوزن المعروف لها على الساحة السياسية اللبنانية.

الاجهاز اللبناني على المبادرة العربية بعد أن أجهز على المبادرة الفرنسية لن يكون ثمنه إلا المزيد من انعدام الثقة بين لبنان وجيرانه وأصدقائه في وقت لا يقدر لبنان على تحمل هذا ولا العيش بدونه.

لبنان اليوم أمام مأزق سياسي خطير صنعه أبناؤه وساسته بأيديهم، فهل من عاقل يروج للمبادرة العربية كطوق نجاة لإخراج البلاد من دوامة الضياع؟ فقد تكون هذه الفرصة الأخيرة.

[email protected]