لغز شاكر العبسي

TT

بعد طول جدل حول مصير زعيم تنظيم «فتح الإسلام» شاكر العبسي الذي اختفى على نحو غامض بعد انتهاء المعارك بين الجيش اللبناني والتنظيم أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أتى الشريط الصوتي للعبسي الذي بثته مواقع متشددة عبر الانترنت الاسبوع الماضي ليشي بتكرار النسق الذي خطه هذا النموذج من «الجهاديين».

فظهور العبسي المزعوم على الانترنت والتهديدات التي أطلقها بحق الجيش اللبناني وتوعده إياه من مكان لا يزال مجهولا، بدا تكراراً لما كان بدأه القاعديون وتفرعاتهم ومن سار على خطهم من هزيمة ميدانية واختفاء فرضته التغيرات العسكرية ومن ثم ظهور ليس أقل غموضاً ودلالة. فالملاحظ أن ظهور هذه الشخصيات عبر الانترنت كما فعل سابقاً أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ولاحقاً الزرقاوي وآخرون، هو ظهور يأتي بعد غياب غير مفهوم. وكأن نهاية هذه الشخصيات كبشر تقترن مع تحولهم إلى صور وأصوات بعيدة تتوعد وتهدد تظهر فجأة على نحو لا نفهمه لكنه تحول إلى ظاهرة باتت تتكرر يومياً في إعلامنا.

شاكر العبسي الذي لا يعرف عنه اتقانه لمفاتيح الكلام الجهادي كونه من خارج تلك التجربة بدا في تسجيله الصوتي الأخير كمن تلقى تدريبات على طريقة في التعبير والخطابة لا تستقيم صورة «الجهاديين» من دونها. فالتسجيل حمل عنوان «نذير ونفير» وكتب عليه أنه من اعداد القسم الإعلامي في فتح الإسلام على غرار ما تعتمد شركة السحاب المتخصصة بأشرطة «القاعدة».

إنها النهاية نفسها التي واجهت نماذج جهادية سابقة فتحولت بعد فشلها الميداني إلى أداة حرب إعلامية لها أدبياتها الخاصة. فالعبسي مثلا في رسالته الصوتية استعمل تعابير من نوع «ملحمة مخيم نهر البارد» و«أسود الإسلام» و«تكالب قوى الكفر» وأدبيات أخرى غالباً ما تتردد في خطابات بن لادن والظواهري ومريديهما من الجهاديين. طبعاً هو لم ينس في كلمته التي قاربت مدتها الساعة ان يردد اسم زعيم تنظيم القاعدة عدة مرات.

يجمع من يعرف شاكر العبسي على أنه شخص غير ممسك بلسانه وضعيف العبارة ولا يجيد لعبة الاقناع، لكن بعد انتهاء دوره في مخيمات شمال لبنان وانسحابه أو «تهريبه» إلى مكان ما جعل الرجل ومن يحتضنه ربما يعيد النظر في كيفية تقديم نفسه وهو رأى ربما أن خطاب الغياب لا يستقيم من دون اتقان اللغة «القاعدية» التي تتيح الانترنت بثها وتمريرها بسهولة وبفعالية واسعة.

مرة جديدة تتحول وسائل الاتصال الحديثة إلى وسيلة اتصال سلبية وظيفتها تظهير المواقف العنفية وايصال دعوات إلى القتال والحروب. وليست المفارقة هي قدرة وسائل الاتصال الحديث على نشر الأفكار الهادمة، بل هي العجز عن الاستفادة من هذه التقنيات في ترويج فكر حديث منفتح يحدّ من قدرة تلك الأفكار على النفاذ نحو شرائح واسعة في مجتمعاتنا.

diana@ asharqalawsat.com