الأسلوب الأمريكي في الفساد

TT

مع كل ما عرفناه من مظاهر الفساد في تاريخ العراق فإنني لا اعتقد انه مر بمرحلة من التفسخ كما مر بها في السنوات الاخيرة، منذ سقوط نظام صدام حسين. الأرقام التي بلغت حد المليارات تذهل السامع. بيد انني لا أشعر بغيظ كبير على ما جرى كما أشعر بالنسبة للشركات الأمريكية وبعض المسؤولين الامريكان الذين تولوا شؤون البلاد منذ احتلالها. استطيع ان افهم العراقي المحروم، وكل من نشأوا وتربوا في ظل النظام الصدامي الذي أوغل في الاستهتار بثروات البلاد، وعلم الناس على النهب. ولكن المفروض في الشركات الامريكية التي تأسست وقامت بأعمالها في ظل القانون والرقابة والشفافية، وجاءت للعمل في العراق بدعوى مساعدة هذا البلد المنكوب وتحريره من الظلم والتعسف، وترويضه على الديمقراطية والشرعية، أن تعطي مثالا في الاخلاص والنزاهة وأن تكون قدوة يقتدي بها الناس. المؤسف ان العكس هو ما جرى. وجدت امامها ميدانا مفتوحا وراحت تغرف منه من دون حساب او وازع. تجسم ذلك بصورة خاصة في الحصول على مقاولات سمينة مليونية بأسعار خيالية لتنفيذ مشاريع إعادة الاعمار ثم التعاقد مع عراقيين لتنفيذ العمل بعشر ما تقاضته من أجر عليه.

ولهذا الأسلوب سوابق على ما يظهر في السلوك الأمريكي انعكس ببعض الطرائف والملح. قالوا انهم قرروا ارسال مركبة فضائية الى المريخ تحمل رجلا. بيد ان القائمين بالمشروع عجزوا عن الحصول على متطوعين مستعدين للمغامرة بحياتهم في مثل هذه السفرة الكونية. اضطر مدير المشروع الى الاعلان في الصحافة العالمية عن الحاجة لمثل هذا الشخص المناسب. تقدم اليه الكثير من المغامرين. بالطبع لم يكن بينهم عربي واحد رغم كل ما يعانيه العرب من يأس في حياتهم. ولكن الظاهر انهم فضلوا المغامرة بركوب البحر الى شواطئ أوروبا على ركوب مركبة فضائية الى المريخ. ومن يلومهم على هذا الخيار.

وعلى كل حال، فقد درس مدير المشروع المريخي الطلبات المقدمة له، ثم استقر على ثلاثة مرشحين. كان الاول ايطاليا والثاني فرنسيا والثالث امريكيا. بدأوا بالمرشح الايطالي ففحصوه طبيا فحصا مليا ووجدوه مناسبا للمهمة. سألوه كم تنتظر ان ندفع لك. فطالب بمليون دولار. انتقلوا الى الشخص الثاني الفرنسي. أجروا عليه تلك الفحوص ووجدوه ايضا مناسبا للمهمة. سألوه عما يريد من أجر. قال أطالب بمليونين. رد عليه مدير المشروع فقال زميلك الايطالي يطالب بمليون واحد، فلماذا تطالب أنت بمليونين. قال أريد ان أقضي أولا فسحة من الفرفشة بين الشامبانيا والنساء الحسان. أحتاج الى مليون دولار لذلك، وأريد ان أخلف المليون الثاني لأسرتي ليعيشوا عليه اذا لم أعد. نادى مدير المشروع على المرشح الثاني الامريكي. فحصوه وتأكدوا من لياقته، ثم سأله مدير المشروع كم تريد. قال ثلاثة ملايين. سأله عن السبب لتبرير هذا المبلغ فقال المليون الاول لي، المليون الثاني لك لتعهد لي بالعمل، والمليون الثالث أدفعه للطلياني ليذهب هو للمريخ.