سيرة الحب

TT

المرأة ليست لغزا، ولكنها توشك أن تكون مجموعة من الألغاز بعدد الرؤوس الرجالية التي تستيقظ كل صباح لتجدف مع الآخرين في إطلاق الأحكام عليها، حتى أن العقاد أكثر أدباء العربية تظاهرا بالقسوة على المرأة، واعتبارها مخلوقا تابعا، خضع هو ذاته لسلطانها، وصار واحدا من أتباعها، حينما صوبت نحوه فتاة عشرينية سهامها، وهو في الخمسين من عمره، فسلم قلبه طائعا لها:

«تريدين قلبي خذيه خذيه

رويدك لا بل دعيه دعيه

دعيه إذا غبت عني أرى

محياك فيه وحبك فيه»

وهناك من يعتبر العقاد ضمن طابور عشاق مي زيادة، التي كانت بوصلة قلبها تتجه صوب جبران خليل جبران، البعيد الذي لم تلتق به قط، فتكتب إليه وهي تتأمل كوكب الزهرة: «أتراها يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟.. ربما وجد فيها من هو مثلي له واحد حلو بعيد تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء.. هي تعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار يتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحبه، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي القلم جانبا لتحتمي من الوحشة في اسم واحد كجبران».

لكنه العقاد الذي يداري هواه ويكتم ضعفه، فكبرياء العقاد تمنعه من الشكوى، على عكس معاصره أحمد رامي الأكثر بوحا واستسلاما واعترافا، فهو مع المرأة: ظالمة أو مظلومة، هاجرة أو عطوفة، قاسية أو رقيقة، يستجدي عطفها فيقول:

«صبرت سنين على صدك

وقاسيت الضنى بعدك

عشان تعطف علي يوم»

ويستعذب الصبر على ظلمها فيقول:

«أيام ما كنا إحنا الاثنين

إنت ظالمني وأنا راضي»

ويمارس الفدائية في حبها فينشد:

«خلوني أحبه على هوايا

واشوف في حبه سعدي وشقاي»

وهو يقبل راضيا استبدادها الذي يصفه أوسكار وايلد بأنه: «أسوأ تاريخ للاستبداد، فهو استبداد الضعيف بالقوي، وهو الاستبداد الوحيد الذي يدوم».. فرامي كان المقابل الأكثر إنصافا للمرأة في مواجهة العقاد وبعض أدباء عصره الذين كانوا يتسابقون للحصول على لقب عدو المرأة، وهم يرددون مقولة بلزاك: «ما قيمة الحياة عندما تمثلها المرأة؟ إنها سفينة بلا ربان، تنساق وراء بوصلة مجنونة يتحول معها الرجل إلى ملاح أجير.. وما أجدر الراغبين في السلطة والمجد بأن يتخلوا عن حب المرأة» بينما كانت دواخلهم تحن إلى المرأة وتشتاقها.

[email protected]