أجمل ما يحمله إليك البريد رسالة تتمنى ان تتعرف على كاتبها. تقرأ محتواها بسرعة تلقائية وتجد نفسك وقد انشغلت عن كل شيء إلا بالسطور التي قرأت.
من العراق كتبت الى قارئة كلمات عبرت الاسوار والحدود وظروف الحرب والحصار التي فرضتها القوى السياسية المهيمنة على العالم. منحتني الكلمات لحظات ادراك ويقين من النوع الذي يؤثر فينا ولا يزول اثره بسهولة مهما مضى من الزمن. شعرت بأنك يمكن ان تسجن انسانا او تجوعه او تقتل اطفاله او تمنع الدواء عن مرضاه. ويمكنك ان تحول بينه وبين الشكوى ولكن يظل عقله يفكر وتظل روحه تواقة للمحبة والصفاء وتظل الكلمة هي الوسيط بينه وبين الكون العريض الذي لا يمكن لأية قوة ان تبسط عليه نفوذا.
لا اعرف من تكون صاحبة الرسالة، ولا اعرف ان كانت شابة ام كبيرة، ولا اعرف اية فكرة من الافكار التي اعبر عنها بالكتابة. نفذت الى وجدانها فقررت ان تتواصل معي لكي تسألني اسئلة محددة. سألتني عن الحكمة والسعادة. وسألتني عن رأيي في انسان يعيش وحيدا وبلا حب.
أما السعادة فهي مبتغى كل انسان لأنها الحالة المثلى للحياة. فالاصل في الاشياء هو الخير. وعندما يكون الانسان سعيدا يتوحد مع سائر الكائنات وعندما يتوحد مع الكائنات يسبح بحمد الله. وعندما تسبح الروح تتصل بعنصر الخير في ذاتها وربما يكون هذا التوحد مع الذات الخيرة هو جزء من عبادة الله.
السعادة سلام مع النفس ومع الآخر. عندما تكون سعيدا لا يمكن ان تفكر في ادوات الحرب لأنك لا تحتاج اليها. لا يمكن ان تخاف من عدو يتربص بك عند اول منعطف.ان كنت سعيدا لن تجهد نفسك في التفكير في خطة تهزم بها خصومك.. أن تكون سعيدا هو ان تمتلك ذلك اليقين بأن بعد العسر يسرا.
السعيد يري الجمال في كل شيء ويتأثر به ويشعر بأنه صاحب نعمة لأن له عينين. وحين اتكلم عن الجمال اتكلم عنه بمفهوم اكبر يتجاوز جمال حبيب او حبيبة الى ما هو اشمل واكمل. فالسحاب المسافر عبر الفضاء قبل الغروب جميل والاسماك الملونة في قاع البحر وابتسامات الاطفال وامتداد الحقول وجريان الماء وسقوط المطر كلها آيات من الجمال. أما الحكمة فهي قلب يشعر وعقل يفكر وضمير يشكر ويخشى.
سألتني عن انسان يعيش وحيدا وبلا حب فأقول انه انسان لا عذر له. مثله كمثل من هو سليم الاعضاء ولكنه يأبي ان يمشي مفضلا ان يرى الدنيا من مقعد لا يتحرك. هو انسان يعيش حالة تواكل وانتظار لمؤثر خارجي يأتي لكي يمسه بعصا سحرية. فالحب موجود من امامنا ومن خلفنا وعن يميننا وعن شمالنا ان شئنا عشناه وان ابينا فقدناه. وهو ليس هبة يمنحها لنا آخر في المناسبات. فهو نعمة لا تباع ولا تشترى كالماء والهواء. انت تحب لأنك مخلوق يعيش وتعيش لأنك تحب.
ليت كاتبة الرسالة امامي الآن لكي اقول لها ان تبحث عن الحب في الاشياء الصغيرة. الكلمة الطيبة حب. والمجاملة البسيطة في موضعها الصحيح حب. اغاثة ملهوف هو ايضا حب. ولو اجدت عملا تؤدينه احببته ايضا. ولكن ان يسجن الانسان قلبه وراء قضبان الوحدة هو ان يرفض نعمة الحياة ومن لا يحب الحياة لا تحبه الحياة.