الأفكار القديمة التي لا تموت

TT

ما تنشره «الشرق الاوسط» عن وثائق اللقاءات مع الملك فيصل وكبار حكومته يثير المشاعر عندما نعكس ذلك على الواقع. أعيدوا قراءتها لتروا كيف أننا نعيش التاريخ نفسه رغم كل الدروس البليغة الموجعة. تجعلكم ترون ان العالم العربي توقف فيه الزمن، لم يتغير كثيرا.

في احداها يقول وزير الدولة للشؤون الخارجية حينها عمر السقاف لوزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر «... نحن ندفع ثمن أخطاء اليساريين العرب. عندما تضرب طائرات اسرائيلية مصفاة نفط في سورية، نحن ندفع قيمة اصلاح المصفاة، وبالعملة الصعبة، والتي تذهب الى جيوب الروس».

قالها المرحوم السقاف في أواخر عام 73، والقصة لم تتغير منذ ان قالها قبل 34 عاما. كان يتحدث عن ان المصالح الخارجية هي المستفيدة من الفوضى الاقليمية، دون ان تحقق للعرب شيئا من مطالبهم.

واليوم لم يتغير الحال كثيرا، فنحن ندفع ثمن اغلاط حزب الله ، وتهور حماس، وقبلها فصائل وحركات مرت بنفس الطريق في فلسطين والسودان والصومال ظهرت ثم اختفت دون ان تحقق شيئا. منطقتنا كلها دفعت اثمانا باهظة، ارخصها مليارات الدولارات وأغلاها ارواح الناس وترابهم. ارتكاب الخطأ ومحاولة إصلاح الخطأ مستمران، والثمن يدفع بلا توقف، وقلما يحقق هؤلاء المتطرفون نجاحا واحدا في خمسين عاما.

وفي تلك السنة جاء هنري كيسنجر الى المنطقة وابرم هدنة سلام بين الدول العربية المواجهة لإسرائيل، تلك الهدنة الى اليوم قائمة، رغم كل ما يقال من عنتريات سياسية.

ما الذي تغير منذ ايام شكوى السقاف؟ بقيت الهدنة، واستمر السلام مع سورية ومصر، الدولتين اللتين وقعتا. تم ضمان امن هذين البلدين وترك الفلسطينيون يكابدون المأساة فعاشت اسرائيل في سلام من الحروب الكبيرة الا من كاتيوشا الحدود وخطف بعض الجنود. والغريب جدا ان المظاهرات لم تظهر ضد اتفاقات الهدنة، والهدنة لم تخرق، وعاشت عقودا من الزمن في هدوء.

رحل الروس وجاء الايرانيون، وأفلست شركات سلاح وظهرت شركات سلاح جديدة. مع نهاية الاتحاد السوفييتي انتهى الشيوعيون، كما توارى القوميون، وهزم صدام فهزم البعثيون. وورثت الراية الحركات الاصولية تسير على نفس الطريق. هل هو قدر منطقتنا ان تعيش بلا نهاية تكرار تجارب دون القدرة على التعلم من الماضي؟

ان الرافضين بامتياز لم يفعلوا شيئا لصالح الشعب الفلسطيني. لم يعيدوا شبرا من الارض، ولم يمنعوا بناء بيت اسرائيلي على الارض الفلسطينية المحتلة، ولم يعيدوا لاجئا واحدا الى ارضه وبيته. لا شيء البتة سوى المزيد من الخطب والخسائر.. وعقارب الساعة واقفة.

[email protected]