بعد اغتيال بوتو.. هل من زعيم شرعي لباكستان؟

TT

شعرت بالحزن الشديد على اغتيال بي نظير بوتو. فانا التقيت بها للمرة الأولى حينما كنا ندرس معا شؤون الشرق الأوسط السياسية في جامعة هارفارد، عندما كانت ما زالت طالبة. ورأيتها منذ ذلك الوقت في مناسبتين أثناء زيارتي لدلهي في ديسمبر (كانون الاول) 2003 ثم في مارس (اذار) من العام الماضي.

وكانت المناسبة في مارس (آذار) حضور مؤتمر عنوانه «الهند اليوم» حيث كانت هي ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ أبرز المتحدثين. وفي خطابها الذي كان من الطراز الأول هاجمت ديكتاتورية الجنرال برويز مشرف لفشلها في فرض إجراءات صارمة على القاعدة والإرهاب وحثت على عودة الديمقراطية باعتبارها الطريقة الوحيدة القادرة على التعامل مع الإسلام المتطرف.

وتحدثت بي نظير عن رغبتها بفتح حدود «ناعمة» مع الهند وتعاون اقتصادي أوسع بين البلدين وقالت إنها تشعر بحرج شديد من الطريقة التي ربط بلدها وفقها بالإرهاب من قبل بقية دول العالم. وقالت إنها تريد أن تكون الولايات المتحدة ملتزمة دائما في دعمها للديمقراطية وأن تعي أن مصالحها الأمنية ستكون أكثر ضمانا مع حكومة ديمقراطية في باكستان.

بعد العشاء دعتني للجلوس إلى طاولتها وقالت إنها قرأت آخر كتبي ولاحظت أن المحافظين الجدد أرادوا تحقيق أمور جيدة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان وإنه من المهم عدم التراجع عن تحقيق هذه الأهداف.

كانت بي نظير خطيبة مفوهة وكانت مثيرة للإعجاب في طريقة تعاملها مع الأسئلة. خلال المناسبة التي جرت في عام 2003 كان الجمهور الهندي آنذاك معاديا في بعض الأوقات وفي لحظة ما سألها رئيس اركان الجيش الهندي السابق وبشكل مباشر إن كانت قد ساندت ذات يوم الإرهاب في كشمير حينما كانت رئيسة وزراء. أقسمت آنذاك أنها لم تفعل ذلك، وهذا التأكيد قابلته شكوك من بعض الهنود الموجودين ضمن الجمهور. لكنها ربما كانت تقول الحقيقة لأنها كرئيسة وزراء لم تكن يوما في حالة سيطرة كاملة على الجيش أو وكالة الاستخبارات المركزية التي كانت مسؤولة عن الكثير من الهجمات التي جرت هناك وفي أفغانستان.

لكن الجمهور الهندي في مناسبة مارس (آذار) الماضي كان مختلفا تماما، إذ تمكنت من كسبه إلى جانبها. لاحظ المضيف الذي كان يرافقني كم كانت شجاعة كي تلقي خطابا من هذا النوع في دلهي. وهي قد خلقت أعداء كثيرين لها في حملتها للعودة إلى باكستان ودفعت حياتها ثمنا مقابل ذلك.

كانت هناك شكوك في أن عودة بوتو إلى الحياة السياسة في باكستان ستعني عودة الديمقراطية. فهي جاءت من النخبة الصغيرة نفسها التي جاء الكثير من السياسيين الديمقراطيين منها في باكستان، وهي نخبة تلطخت ديمقراطيتها بالفساد وفتح ذلك الطريق لاستيلاء مشرف على السلطة.

مع ذلك، أظن إنها كانت محقة في أن خدمة باكستان ومحاربة الإرهاب ستتحققان بشكل أفضل على المدى البعيد في حالة عودة الديمقراطية. إنه مشرف الذي كان مسؤولا عن تقويض سيادة القانون التي كانت في الأساس ضعيفة بباكستان، بسبب فشله في السيطرة على وكالة الاستخبارات الباكستانية وعلى الحدود الشمالية الغربية، ولزعزعة استقرار البلد في مساعيه للبقاء في السلطة.

لكن اغتيالها والطريقة التي اغتيلت بها خلال تجمع شعبي، يدفع بالعملية السياسية الآن إلى الفوضى. من الواضح أن هناك اتهامات موجهة إلى مشرف تتهمه بشكل ضمني في تورطه بقتلها، وفي فشله في توفير الحماية الكافية لها. والسؤال الآن هو: من يستطيع الظهور الان كزعيم شرعي لباكستان؟

*خدمة «غلوبال فيوبوينت» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»