رجل أسود.. وجه أمريكا الأبيض

TT

وجه أمريكا الأبيض يمثله هذه الأيام رجل أسود، باراك أوباما، الاسم المرشح ليكون أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية، والذي ما زالت جذوره الكينية المسلمة رطبة، فأبوه المسلم هاجر من كينيا بعد أن حصل على منحة للدراسة في أمريكا، وجدته سارة حسين عجوز ما برحت تزرع الذرة بين غابات كينيا إلى يومنا هذا، يعني أنه لو كتب لهذا الشاب الأربعيني أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فسيواجه حيرة في التواصل مع أقربائه المقربين، الذين ما برحوا مزارعين كينيين بسطاء في الريف الكيني الجميل.

أوباما النحيل الكيني الأسمر دليل بشري فاقع على المقولة الشهيرة بأن أمريكا بلاد الفرص، وهو أحد الجوانب البيضاء المضيئة في أمريكا، التي لا يعرف العالم عنها إلا أمريكا التي أشعلت بسياستها السوداء ونفوذها القسري حرائق في أكثر من منطقة في عالمنا المضطرب.

هذا ليس مدحا في أوباما، ولا قدحا فيه، اللافت هنا هو المنظومة الأمريكية العجيبة التي استطاعت ماكينتها الاجتماعية المبهرة، أن تصهر الناس بشتى دياناتهم وألوانهم وأعراقهم بهذه السرعة الفائقة، لتجعل الشارع الأمريكي يقبل ويستوعب أن يصبح رجل أسود منحت بلاده أباه الكيني المسلم بعثة دراسية ليتحول ابن الممنوح إلى مرشح شرس على أعظم منصب لأعظم دولة في الدنيا، ومن الطريف أن الأمريكيين لم يبدوا أي تأقلم مع هذا الاسم الكيني الجديد فمنهم من يسميه ألاباما، وأوبابا، وأوماما.

هذه المنظومة الأمريكية اللافتة هي ذاتها التي قبلت واستوعبت من قبل هنري كيسنجر اليهودي الألماني، الذي هاجر إلى أمريكا هربا من الضيم النازي، ليتحول وهو شاب ثلاثيني إلى وزير خارجية بارع، يمسك بخيوط السياسية الخارجية لأمريكا، تاركا بصماته عليها إلى وقتنا الحاضر، مع أنه لم يستطع أن يتخلص حتى من لكنته الألمانية، وهو يتحدث الإنجليزية، ولا يمكن أن ننسى «شوارزنغر» الشاب النمساوي ذا العضلات المفتولة، الذي هاجر من النمسا إلى أمريكا بطلا في كمال الأجسام، ليتحول إلى نجم هوليوودي مشهور، ثم إلى حاكم لكاليفورنيا هذه الأيام، هذا ناهيك من آلاف بل عشرات الألوف من العقول الجبارة من دول العالم المختلفة، التي تغريها أمريكا للإقامة فيها والحصول على جنسيتها، ومنهم عالم الكيمياء المصري أحمد زويل الحائز نوبل وغيره مئات، وكما فعلت مؤخرا مع آلاف الهنود الذين أظهروا تميزا في مجالات مختلفة أبرزها تقنيات الكمبيوتر.

ولك أن تقارن بين التجربة الأمريكية في استيراد العقول والخبرات المتميزة، واستيعابها وتوطينها، وبين دول الخليج التي ما زالت تتشدد في موضوع الجنسية (الأصل والمنشأ والولادة) مما أفقدها الإفادة من عقول وخبرات الألوف التي قدمت إليها واستقرت فيها، وساهمت في تنميتها وتطويرها، بل الملاحظ أن دول الخليج تحولت إلى مركز لتدريب «الوافدين» يتعلمون فيها أحدث التقنيات وأكثرها تعقيدا وتطورا مما لم يشاهدوه حتى في بلدانهم التي قدموا منها، وبدلا من أن تنتهز الفرصة فتمنحهم جنسياتها خاصة، وأنها المستفيد الأول، راحت الأنظمة الصارمة للإقامة وتأشيرات الخروج والعودة، تلاحق هذه الكوادر المؤهلة، وتنفرها من الإقامة، ناهيك من التمتع بالجنسية، والنتيجة الطبيعية عودتها إلى دولها لتحرم دول الخليج نفسها من هذه العقول «المتعوب» عليها وعلى تدريبها وتأهيلها.

[email protected]