بوتفليقة والتدخل في الصحراء

TT

حتى لو أنكرت الجزائر فإن الجميع يعرفون أنها الرقم المهم في حل، او تعطيل، النزاع الدامي في الصحراء الغربية، بين الرباط وجبهة البوليساريو. الجزائر، مثل سورية، في الموضوع اللبناني، تملك نفوذا كبيرا. فالانفصاليون الصحراويون لا يرتبطون بعلاقة جيدة مع الجزائر فقط، بل يعيشون في كنفها منذ أن أسست الحركة قبل 34 عاما.

سبب مناداة بوتفليقة لأننا نرى تطورات إيجابية تستحق ان تدعم باتجاه الحل. فالمغرب والبوليساريو صارا يفاوضان بعضهما مباشرة، والمغرب قبل أيضا بفكرة الحكم الذاتي للصحراء، ضمن إطار المملكة، إضافة الى أنه نزاع «حضاري» فالمعارك شبه متوقفة منذ ست سنوات تقريبا بدعم حقيقي من الجزائر. إلا ان المحبط ان التقدم قليل، والوسطاء الدوليين لم يحققوا شيئا كبيرا بعد.

وبدون تقدم إضافي ستبقى الأزمة معلقة مائة سنة أخرى، تضاف الى الثلاثين عاما المنصرمة التي اهدرت فيها الارواح والأموال وأفسدت العلاقات المغاربية. وهنا نسأل: هل من صالح دولة كبيرة مثل الجزائر استمرار الوضع على ما هو عليه؟

لماذا نخاطب الجزائر، لا المغرب او البوليساريو؟ لأنها الطرف الخارجي المؤثر في سير الأحداث سلبا أو ايجابا. ونطرح السؤال على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شخصيا، لأنه يملك سمعة جيدة في العالم العربي كوسيط نزيه في النزاعات، وصاحب مبادرة المصالحة الداخلية في مواجهة الارهاب داعيا للوحدة الوطنية في داخل بلاده. ولا ننسى انه الأكثر خبرة في السياسة الخارجية. لا بد انه يرى، أكثر من أي سياسي آخر، أن استمرار النزاع الصحراوي لن يفيد الجزائر، ولن يعطي البوليساريو أي مكسب على الأرض، ويمرض العلاقة مع الجارة المغرب، ويفسد المناخ السياسي العام في المغرب العربي.

الكل سيكونون سعداء لو منح بوتفليقة الوقت والجهد لمساعدة البوليساريو والمغرب على تجاوز العقبات التي عطلت حتى الآن التوصل الى حل. فالمغرب برهن جديته بتنازلات مهمة، مثل الجلوس مع البوليساريو الذي كان مستحيلا في السابق، والقبول بفكرة حكم ذاتي خارج سلطة الرباط.

بوتفليقة، بسمعته وتاريخه، يستطيع ان يقرب بين الطرفين، ولو نجح سيترك خلفه اتفاقا تاريخيا مهما ينهي الحرب العبثية، ويحقن دماء الاخوة، وينقل المغرب العربي الى مرحلة جديدة من التعاون.

ولا يستبعد ان الرئيس بوتفليقة لا يريد تجاوز القيادات الجزائرية التي ساندت دائما مشروع البوليساريو. انما هو الزعيم الجزائري الذي يستطيع ان يغير المفهوم داخل الجزائر باتجاه حل النزاع على الصحراء. الاسباب عديدة، فالجميع يرى انه لا يوجد انتصار عسكري في الأفق، بل مجرد مخيمات يدفع المواطن الجزائري ثمنها لإعالة آلاف اللاجئين الذين يعيشون على امل لم يحقق منه شيئا. ثلاثون سنة من النزاع لم ينجح الانفصاليون خلالها في خلق قضية عامة، بدليل انه يندر ان تجد عربيا يعرف من هي البوليساريو، وماهية دولتهم الصحراوية، ومواقفهم السياسية، او يتعرف على اسم اي واحد من زعماء الحركة. الوقت مناسب لمصالحة معقولة تعطي البوليساريين شيئا من المشاركة في الحكم وتحافظ على وحدة التراب المغربي وتنهي التوتر المزمن في المنطقة.

[email protected]