مهاجر يغير فرنسا

TT

يقول الكاتب الفرنسي جان دورميسون إن سر السلطة هو الطاقة. ويكاد يصعب على الفرنسيين اللحاق بطاقة نيكولا ساركوزي الذي عبر المحيط الأطلسي ثلاث مرات وتجول في آثار مصر الفرعونية وتغدى في ألمانيا وتعشى في مدريد وطلق زوجته وها هو يستعد للزواج من صديقته، وألقى خطابا في الكونغرس الأميركي وحل مشكلة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني في ليبيا وواجه إضرابين عامين في فرنسا ـ وكل ذلك في سبعة أشهر.

بالنسبة إلى صحافي تابع السياسات الفرنسية منذ أربعة عقود، يبدو لي أن ثمة حقبة قد انتهت في فرنسا، هي الحقبة التي بدأت مع ديغول العام 1958 تحت عنوان الجمهورية الخامسة. في تلك المرحلة كان الهاجس الأكبر المحافظة على استقلال فرنسا من تأثيرات التمدد الأميركي، سياسة وثقافة. وقد رأى ديغول ومن بعده خلفاؤه، وحتى الاشتراكي فرنسوا ميتيران، أن المدّ الأميركي يهدد حضارة فرنسا وموقعها في العالم ودورها في محيطها المتوسطي. أما ساركوزي فكانت أول خطوة رئيسية قام بها، هي السفر إلى واشنطن ومخاطبة الأميركيين بعبارات الصداقة.

ثمة تغير واضح في السلوك الرئاسي، في كل شيء. لم يحدث ـ بقدر ما أعلم ـ أن التقطت لرئيس فرنسي صورة «بالشورت» وهو مع صديقته. وقد كان لجيستار ديستان وفرنسوا ميتيران مغامرات كثيرة لكنها بقيت في الستر. فلم يرَ أحد صورة أم ابنته غير الشرعية إلا وهي تسير في جنازته. ولم يطلق زوجته بعد وصوله إلى الإليزيه. ولم يذهب إلى مخاطبة الكونغرس بعد ثلاثة أيام من إعلان الطلاق. فرنسا اليوم في ظل رئيس مشحون بالطاقة وغير مقيد بالتقاليد. جاك شيراك كان يستقبل سعد الحريري في الإليزيه، برغم العلاقات العائلية المعروفة. أما نيكولا ساركوزي فقد عقد محادثاته مع الحريري الابن في مطعم «نورة»، في ساحة تحمل اسم بيروت. وكانت الكتب عن حياة ميتيران الشخصية والعاطفية قد بدأت تظهر في أواخر ولايته وعمره. لكن بعد سبعة أشهر من الإليزيه صدرت على الأقل أربعة كتب عن الرئيس الجديد، الذي يذكّر الفرنسيين بنابوليون الأول، بقامته وعشقه للنساء وكونه من جذور غير فرنسية.

انتخب الفرنسيون رئيساً «ديغولياً» لخلافة شيراك. لكن الرئيس الجديد فاجأهم بضم مجموعة من الاشتراكيين إلى حكومته، بينهم وزير الخارجية، برنار كوشنير، بالإضافة إلى عدد من النساء وذوي الأصول المهاجرة. ولعل ساركوزي هو أقل رؤساء فرنسا خبرة في الشؤون الخارجية. فقد كان محامياً يتعاطى القضايا الداخلية كرئيس لبلدية «نويي»، في حين أن سلفه شيراك بدأ جنديا في الجزائر وبعدها طالبا في هارفارد وهاويا لتاريخ الشرق الأقصى القديم، ومن ثم رئيساً للوزراء. غير أن طاقة كبرى تدفع الرجل غير محدود الطموح، الذي كانت عقدته أن أشقاءه أطول منه وذهبوا إلى مدارس أفضل من مدرسته. إنه يثأر.