التقرير الأمريكي حول إيران.. خيارات مفتوحة

TT

أثار تقرير الاستخبارات الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني ردود فعل متباينة بعد أن وضع التحرك الأمريكي برمته تجاه إيران خلال الفترة المقبلة على مفترق طرق مفتوح على خيارات متعددة.

وعلى الرغم من احتفاء طهران بما جاء في التقرير باعتبار أن السياسة الأمريكية تجاهها فقدت جزءًا كبيرًا من مصداقيتها، وأنه بمثابة «إعلان استسلام»، مما يدعم توقعات الرئيس نجاد باستحالة إقدام إدارة بوش على ضرب بلاده، إلا أن قراءة للتقرير من زوايا أخرى تكشف عن ثلاثة أمور مهمة، أولهما: ان إيران ما زالت تحتفظ بخيــــار تطــــوير الأسـلحـة النــوويـة مفتوحاً، وكانت ماضية في تطوير برنامج نووي عسكري حتى عام 2003 وليس هناك ما يمنع من الشروع في استئناف هذا البرنامج مرة أخرى عندما يحين الوقت المناسب، خصوصا أن الفرق بين البرنامج «العسكري» والآخر «المدني» غير واضح ما دام عملية تخصيب اليورانيوم تسير بشكل ممنهج ومستمر. ثانيهما: أن فقرات عديدة من التقرير صيغت بعبارة «ثقة متوسطة»، وهذا يجعله غير مؤكد بشكل حاسم ويحتمل التأويل وحساب الاحتمالات.. فما زالت الإدارة الأمريكية تحمل رسالة واضحة المعنى إلى القيادة الإيرانية، مفادها «أننا لن نسمح لكم بتطوير الأسلحة النووية».

وفي تقديري، فإن الصراع الآن يدور بين الطرفين الأمريكي والإيراني ليس على منع طهران من امتلاك الأسلحة النووية وإنما الحيلولة دون اكتساب المعرفة الضرورية لصناعة مثل هذه الأسلحة.. وهو ما يؤكده تصريح الرئيس بوش بأن تسليم روسيا اليورانيوم إلى إيران يعني أنها ليست بحاجة إلى أن تقوم بعملية التخصيب. ثالثهما: أن التقرير بأكمله لم يحظ بتغطية إعلامية واسعة باستثناء الفقرة الخاصة المتعلقة بتوقف البرنامج النووي العسكري الإيراني رغم أنه يتضمن مؤشرات جديرة بالاهتمام حول القدرة التقنية لإيران لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع سلاح نووي. كما أن التقديرات الاستخبارية لا تعرف على وجه الدقة ما إذا كانت إيران تنوي حالياً تطوير الأسلحة النووية أم لا.

وفي الوقت الذي يعترض فيه الخيار العسكري الأمريكي ضد إيران صعوبات جمة لحسابات عسكرية واستراتيجية، وإن كان غير مستبعد، وفي ظل ميراث العداء بين البلدين على مدى ثلاثة عقود متواصلة، فإن سياسة الحوافز والإغراءات لثني طهران عن الاستمرار في برنامجها النووي لم تعد مجدية ومفيدة لأن الأمر يتعلق بحسابات داخلية وتحركات خارجية في البلدين.

ومن ثم، فإن السيناريو الأقرب للتعامل الأمريكي مع الملف الإيراني سيتمحور حول حزمة جديدة من العقوبات المالية إلى جانب العقوبات التجارية والتضييق على القطاعات الحيوية للاقتصاد الإيراني.

وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد صدر التقرير بالتزامن مع انعقاد قمة الدوحة التي حضرها الرئيس نجاد، والتي حددت موقفا متوازنا بشأن الملف الإيراني يقوم على التحذير من خطورة انتشار أسلحة الدمار الشامل بالخليج وفتح سباق نووي يخل بنظام التوازنات الحالي مع رفض نشوب حرب جديدة في المنطقة والدعوة إلى الحلول الدبلوماسية باعتبار أن الحرب ستطال جميع الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا الموقف يأتي متوافقا مع إشارات إيجابية خليجية سابقة ولاحقة تجاه طهران لاقت استياء العديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية باعتبار أن إيران لم تقدم حتى الآن ما يبرر الهرولة تجاهها.

وإجمالا، فإن الإقرار بحق دول المنطقة في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية كحق أصيل للدول الأعضاء في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وغيرها من المعاهدات والأنظمة ذات الصلة، يتطلب التعاطي بكل شفافية مع شروط التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع وضع ضــوابط صـــارمة لتـــأمين حماية المنشـــآت النوويـــة. فيما تظل المظلة النووية الأمريكية التي حظيت بها أوروبا الغربية منذ حقبة الحرب الباردة خيارا قائما لدول المنطقة في حال إصرار إيران على المضي قدما في برنامجها النووي بهدف تحقيق توازن الردع النووي .

* سفير مملكة البحرين

لدى المملكة المتحدة