إبراهيم العنقري.. قامة وقمّة

TT

هل يجوز للكاتب ان يقتبس من كلامه؟ او يكرر عباراته؟ هذا ما حصل مع هذا القلم وهو يصمت مشدوها امام فجائية الخبر، فلا يجد من عنوان ملائم للمقال والمقال سوى ان يستعيره من كلمات حررتها عنه بمناسبة اعتزاله العمل في مثل هذا اليوم قبل عامين.

ابراهيم العنقري، الثابت في مبادئه، الرصين في جرأته، الكتوم في أماناته، العف في لفظه ولسانه، الرفيع في خلقه، العزيز بنفسه، المهيب في مكانته، الوفي في صلاته، القدوة في وطنيته، البار فيمن حوله، الثاقب في نظرته وتحليله، العازف عن الاضواء، يحظى اليوم بلقاء وجه ربه.

أمانته في جنيف، ويصلى عليه في الحرم الشريف وفق وصيته، بعد ان ترك رصيدا كبيرا من احترام الناس، وكنزا من تقدير عارفيه ومرؤوسيه.

إن من الصعب أن «تجرد» رصيد مسؤول امضى عمرا (تجاوز الثمانين) في مقال هزته المفاجأة، وتغمره العاطفة، لكنني احب ـ وبعيدا عن حساب الوظيفة وأرباحها وخسائرها ـ ان أذكر من ابرز المآثر التي ستبقى له وتذكر، هي تلك العلاقة الوثيقة بربه وبمسجده وبسجادة صلاته التي ظل ملازما لها طيلة عمره.

اما المأثرة الثانية، فهي «إنسانيته» التي لا يعرف عنها إلا القليلون، فلقد كان الرجل، بالرغم مما يبدو من هيبته، ذا مواقف رحومة عطوفة، لا تعلم بها يده اليسرى، لا في العطاء فحسب، وإنما في بذل الجاه والشفاعة ومعالجة المشكلات الإدارية والأزمات الاسرية واحتياجات الناس.

أما وظائفه التي مر بها منذ مطلع الخمسينات، فكانت في وظائف تدرَّج فيها في وزارتي الخارجية والمعارف، ثم لازم الملك فهد، رحمهما الله، في وزارة الداخلية وكيلا لها في الستينات، وصار في مطلع السبعينات وزيرا للإعلام حتى نهاية عهد الملك فيصل، ثم اصبح وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، فوزيرا للشؤون البلدية والقروية (في عهد الملك خالد) ثم عينه الملك فهد مستشارا خاصا له.

وبحكم تلك الوظائف كلف بالعشرات من المهام وأسهم بالعديد من المسؤوليات، وكتم الكثير من الأسرار.

قلت عنه يوم اعتزاله الوظيفة:

«ان الحديث عن شخصية: قامةٍ في احترام نفسه وفي احترام الناس له، وقمةٍ في قيَمه وأخلاقياته ومثله، وان هذه الشهادة لن تزيد فيه ولن تنقص، لكنها خواطر اقتضتها مناسبة تفرغه من مسؤولياته، بعد ان خدم مجتمعه على افضل ما تكون الخدمة العامة من نزاهة وإخلاص، ووطنية وموضوعية ووقار واحترام».

غفر الله لأبي مازن، وجزاه عما قدمه لأمته ووطنه خير الجزاء، وجعل في حرمه وابنه مازن وابنته عبير وفي أحفاده، خير خلف، ونعم حافظ لإرث هذا الإنسان الكبير الكريم.

* إعلامي سعودي