النصف الآخر

TT

لم تثر زيارات من قبل رئيس دولة أجنبية جدلا وحملات عنيفة واهتماما مثل الذي أحدثته الجولة الحالية للرئيس الأميركي جورج بوش في منطقة الشرق الأوسط والتي تشمل 7 دول حسب ما هو معلن حتى الآن اذا حسبنا زيارته الاراضي الفلسطينية على انها زيارة لدولة.

ومنذ ان اعلنت واشنطن عن الجولة هناك موقفان في المنطقة، الاول من غالبية الدول العربية التي رأت في الجولة اشارة حسنة باعتبار انها تأتي لتأكيد الجدية الاميركية بعد مؤتمر انابوليس في دفع جهود السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وانخراطا مباشرا من الرئاسة الأميركية في هذا الجهد، والثاني من النصف الآخر الممثل في دول ومنظمات وجماعات سياسية اضافة الى ايران رأت في الجولة شرا وتحريضا للدول العربية على ايران وإدخالها في أجندات ليست من مصلحتها.

المفارقة، وحسب تقارير اميركية، ان بوش لم يكن يخطط بعد مؤتمر انابوليس الذي يعد اول جهد اميركي مكثف وجاد في عملية السلام في الشرق الاوسط منذ فترة لزيارة المنطقة، معتبرا ان زيارة الرئيس ليست كافية في حد ذاتها لتحقيق اختراقات، ثم يبدو انه غير رأيه بعد ذلك لسبب او آخر مفتتحا جولته باسرائيل والاراضي الفلسطينية وذلك في اشارة لها مغزاها.

ولا بأس في ان تكون هناك معارضة لزعيم اجنبي لا تروق سياساته لجماعات او تيارات سياسية، فهذه هي الديمقراطية، وطبيعي ان يشن حزب الله هجوما عليها لان الادارة الاميركية تصنفه على انه منظمة ارهابية وتريد نزع سلاح ميليشياته، ومن الطبيعي ايضا ان تهاجمه ايران لانها في حالة اشتباك مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بأزمة ملفها النووي وسياستها في المنطقة، لكن ـ مثلا ـ إخوان مصر ذهبوا بعيدا في حملتهم على زيارته بدون ان تكون لهم قضية واضحة كجماعة تسعى لترسيخ صورة انها حزب سياسي رشيد، وكأنه كان الأوفق مثلا استقبال الملا عمر زعيم طالبان !.

عموما ان استقبال الزعماء الاجانب، خاصة اذا كان رئيس القوة العظمى الاكبر بالعالم، لا يعني بالضرورة الاتفاق معه في كل ما يقوله، فالدول في عالم اليوم تتحدث مع بعضها حتى لو كانت على خلاف شديد، وهذا ما يفعله مثلا الايرانيون مع الولايات المتحدة عندما تشتبك المصالح (جولات الحوار حول العراق) بينما أكدت دمشق، رغم حالة الانقطاع بينها وبين واشنطن والخلافات حول لبنان، رغبتها أكثر من مرة في تدخل الادارة الأميركية لإطلاق عملية التفاوض حول السلام على المسار السوري.

وبكل المقاييس فان وجود الرئيس الاميركي على الارض في المنطقة فرصة لطرح القضايا العربية ورؤية المنطقة للتحديات التي تواجهها وأساليب مواجهتها، خاصة في القضيتين الرئيسيتين اللتين تشغلان المنطقة حاليا وهما عملية السلام والأزمة الايرانية مع الغرب. وهي فرصة ايضا لدول المنطقة للتعرف بشكل مباشر على طريقة تفكير الرئيس الأميركي وتبادل الافكار وتصحيحها، فهكذا تبنى السياسات والاستراتيجيات للمستقبل إذا أردنا أن نبني دولا حقيقية وليس مقاهي للنميمية والزعيق.