فين موضوع بكرا؟

TT

هناك كتب من نوع «كيف تصبح مليونيرا» ويكتبها غالباً الذين لم يجمعوا مليونا بعد. واخرى من نوع «كيف تخسر 10 كيلوغرامات في 20 اسبوعاً» ويعدها غالبا اشخاص امضوا السنوات العشرين الماضية يحاولون عبثاً ان يخسروا 20 غراماً. وهناك الكتب المفيدة التي ترشد الناس وطلاب العلم، وبينها كتب الصحافة. فإذا كان المرء على موهبة أسعفته في سعيه وسهلت أمامه سبل المهنة. واذا لم يكن فانه يمضي 20 عاماً يحاول ان يخسر 10 غرامات.

ويضع قدماء أهل الصحافة احياناً كتباً عن تجربتهم المهنية. وينتقون من اعمال سواهم ما يعتقدون انها افضل النماذج لتعليم الطلاب ومساعدة المحترفين. وقد صدر في بوسطن اخيراً كتاب بعنوان «كيف تصبح كاتب عمود» لسوزيت ستاندرينغ قوبل بنقد حاد من الكاتب في «بوسطن غلوب» اليكس بيم الذي يرى ان الكتاب مليء بالترهات والنصائح السخيفة والجمل المكررة، لكنه يضم مختارات جميلة من بعض كبار اصحاب «الاعمدة». ويقول بيم ان «الكتَّاب يستعيرون من بعضهم البعض، خصوصاً من الاموات، لانهم ليسوا هنا ليحاسبوا».

وأنا مدين «للمستر بيم» بهذه الزاوية. فليس اقسى حالة من هاتف الزميل إمام إمام عندما يطلبني قائلا: «فين موضوع بكرا؟». واشعر بالرعب. لا احب الكتابة على عجل ولا تحت الضغط. ويساعدني احياناً فارق الوقت مع لندن، خصوصاً عندما اكون في دبي وبيننا وبين بريطانيا 4 ساعات. لكنها لا تلبث ان تذوب بسرعة، وانت تبحث عن فكرة جديدة. وموعد المطبعة لا يرحم. وهو جرس يرن كل يوم.

يروي الصحافي الاميركي سايمون هيرش انه عندما ذاعت شهرته طلب اليه ان يكتب مقالين في الاسبوع. وفكر طويلا ثم قال لرئيس التحرير «الله يعطي»! فقد اكتشف ان في امكانه ان يكتب مقالا واحدا، أما مقالين فمن اين. كان «ارث باكوالد»، اشهر صاحب عمود في القرن الماضي، يقول انه يلتقط افكاره دائماً من الصحف. والحقيقة ان في امكان المرء ان يعثر على موضوعه في اماكن كثيرة. لكنه يواجه بين حين وآخر ما يسمى في الأدب الروسي محنة «الليالي البيضاء»، حيث لا افكار ولا مواضيع ولا «حدوثات» ولا ذكريات ولا كتّاب، أحياء او سابقون، تقتطف من إرثهم فكرة تعالجها على طريقتك ومن زاويتك. ولزاويتك. وصوت إمام إمام يلّح «فين موضوع بكرا».