كثيرون لا يقرأون ولا يكفون عن الكلام!

TT

هذا فن جديد.. فن الحديث عن الكتب التي لم تقرأها. وليس من الضروري أن تفعل ذلك. هذا البحث كتبه الناقد الفرنسي (بيير بيار). يقول إن الكثيرين من النقاد لم يقرأوا أمهات الكتب. ولكنهم لا يتوقفون عن الحديث. ثم يجدون من ينصت إليهم. وهو ينصحك ألا توجع دماغك بقراءة الإلياذة والأوديسة لهوميروس أو البحث عن «الزمن الضائع» لبروست.. و«الإخوة كرامازوف» لديستوفيسكي، و«ثلاثية» نجيب محفوظ.. والكثيرون من المتحذلقين يتحدثون عن الثلاثية ولم يقرأوها. لأنه عيب ألا يكون الإنسان قد قرأها. واحد فقط من بيننا هو الذي واتته الشجاعة فأعلن انه سوف يأخذ إجازة أسبوعا ليقرأ الثلاثية، إنه الأديب المرحوم فتحي غانم.

أكذب إذا قلت لك إنني قرأت الإلياذة. حاولت. وفشلت. وظهرت ترجمتها العربية المصرية أخيراً. وتأكد فشلي. لقد هزمتني. فالأسماء فيها كثيرة جداً. أما معاني هذه الأسماء فلها قصص. والقصص تتداخل في قصص في قصص. ولذلك أستعين على قراءتها بالملخصات أو الكتب التي صدرت عنها. وفي هذه الحال من السهل أن نقول ونعيد ونزيد ويصدقنا الناس. بل نحن نستعين بالمقدمات والملخصات قبل أن نقرأ مسرحيات شكسبير وموليير. تماماً كما يحدث عند زيارة المتاحف فأنت تستعين بالمرشد السياحي. قد يكون إنساناً أو كتاباً. فكلها وسائل لدخول المتحف الضخم أو للتسلل الى العمل الأدبي العظيم. ففي رواية (الحرب والسلام) لتولستوي 185 إسماً. وهي رواية شاقة.

وقد حاول الأديب الآيرلندي جويس أن يقدم «عوليس» جديدة. وحاول الأديب اليوناني كازانتزاكس ونظمها في 80 ألف بيت. وحاول أديب مصري غلبان ومجنون ايضاً، أمضى عشرين عاماً من عمره القصير في الترجمة الكاملة للإلياذة والأوديسة وأنفق عمره والقليل الذي كان يملكه وقدمته في التلفزيون المصري. ورأى الناس ولم يفهموا كل هذا العناء الذي بدد صحته ولم تبق منه إلا هذه الملابس الرثة والشعر المنكوش والتجاعيد في الوجه وهو لم يتجاوز الخمسين من عمره.. ثم إنني نسيت اسمه. وقد جهدت لكي أستعيد اسم هذا الإنسان فلم أفلح. ومات هذا المجهول ولم يلق ترحماً من أحد!

وكما ترى لقد تحدثت عن عمل جبار وأبديت اعجاباً به، ولم اقرأ الكتاب ولا طلبت من أحد أن يرتكب مثل هذه الحماقة!