الحمد لله إنها محاولة فاشلة!

TT

كتب لي يقول: ما رأيك. لقد أعددت كل شيء. ولم يبق إلا أن تقول لي: ألق بنفسك من النافذة أو في النيل أو ادخل الحمام وافتح صنابير الغاز. وكلها لحظات وتنتهي هذه المأساة!

إنه شاب ضاق بالدنيا وضاقت به وشاء أن يشهدني على قراره بالانتحار.. وهو شاب صغير..

وقلت له: أنا أيضاً حاولت الانتحار. وذهبت لكي ألقي بنفسي في النيل دون أن أخطر أحداً. لأن الذي يريد أن ينتحر ويستشير أحداً في ذلك هو في الحقيقة لا يريد أن ينتحر وإنما يريد أن يصده أحد عن ذلك.. ولو كان جاداً تماماً ما تمسح في قرار أحد آخر، يتقاسم معه هذا القرار. وفي اللحظة التي هممت فيها بالقفز إلى النيل جاءت سيدة وسألتني عن صحة أمي. هذه السيدة هي الممرضة التي تعطيها الحقن كل يوم.. ولم أكد أسمع اسم أمي، حتى تجمدت في مكاني.. فسوف أتركها وحدها تعاني وتتعذب. وفي هذه اللحظة أمسكت بذراع الممرضة وعدنا إلى البيت واخترعت حكايات لغيابي عن البيت بضع ساعات!

أما أنا فقد كنت طالباً مجتهداً. ولكن أحداً من أسرتي لا يدري بهذا التلميذ المتفوق. فإذا قلت إنني نجحت. فكأنني لم اقل. وإذا قلت كالعادة جاء ترتيبي الأول على المدرسة وعلى مصر. وكأنهم يتوقعون ذلك. أي أنه ليس جديداً. فكأنني لم أقل.. ولا داعي للحفاوة بي. فهم يتوقعون ذلك. وقالت لي أمي: إذا كان زميلك فلان قد نجح فاذهب له وقل له مبروك. وهي لم تقل لي مبروك. وبعقلية شاب صغير وجدت أنني أبذل جهداً لا يلقى مكافأة أو تكريماً من أحد. فكأنني لا تعبت ولا تعذبت حتى تفوقت.. وبعملية حسابية بسيطة وجدت: أنه لا شيء يساوي. لا التعب ولا حياتي ولا أنا. فما معنى أن استمر في هذا الطريق الموحش إلى القمة دون دافع ومبرر وحفاوة..

وحاول الانتحار أساتذة كثيرون: العقاد والحكيم والشاعر الهمشري وجمال حمدان وغيرهم كثيرون.. ونصحت الشاب الذي انتظر نصيحتي وقلت: لا تفعل.. ولا تكن يائساً مثلي.. فالحياة مقامرة تكسبها عندما تخسرها.. وتخسرها وأنت تكسبها.. وصعب جداً أن تكون وحيد والديك وتقضي عليهما يوم قضائك على نفسك!