لماذا تخسر «القاعدة»؟

TT

ثمة اعتقاد بأن تنظيم «القاعدة» بدأ ينشط مجددا بعد هزيمته في أفغانستان، ويشير كثيرون إلى نجاحه في اغتيال بي نظير بوتو في باكستان ودعمه للمتمردين كدليل على عودة نشاط «القاعدة» مرة أخرى. إلا ان هذا الزعم غير صحيح. فتنظيم «القاعدة» في حالة ضعف بفعل مواقف سكان بعض المناطق تجاهه. فقد تراجع تأييد «القاعدة» بصورة سريعة في كل مكان تسنى له فيه نوع من السيطرة على السكان المحليين، وهذا ما حدث في كل من كابل ومحافظة الأنبار، ومن المحتمل ان يحدث في باكستان كرد فعل على اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو. لا أحد، بطبيعة الحال، يحب ان يكون خاضعا لسيطرة الأجانب. ويكمن ضعف «القاعدة» في نظرة السكان إلى عناصرها كغرباء أينما حلوا، وهذا بالطبع لا يؤدي إلى بناء نظام خلافة عالمي. ربما لا تحظى واشنطن بحب الناس في العراق وأفغانستان، ولكن مقارنة بالأعمال الوحشية التي تتبعها «القاعدة» أصبحت واشنطن بديلا مقبولا، وهذه حقيقة لأن واشنطن ستغادر في نهاية الأمر. ردت الراحلة بوتو مرة على صديق كان قلقا على سلامتها قائلة ان «المسلمين لا يقتلون النساء». كان ردها صحيحا من ناحية، لأن المسلمين الحقيقيين لا يقتلون النساء ولكن الواقع هو ان «القاعدة» تقتل النساء. فأفرادها قتلوا من المدنيين عددا اكبر بكثير من الذين قتلوا نتيجة الهجمات الجوية الخاطئة لقوات التحالف في أفغانستان والعراق مجتمعتين. لماذا إذاً خسارة واشنطن حرب المعلومات في العالم الإسلامي، ولماذا لم تكن هناك صيحة عالية وسط المسلمين إزاء ذبح الأبرياء بواسطة «القاعدة»؟ أعتقد ان السبب في ذلك هو ان واشنطن تقضي الكثير من الوقت في السعي إلى كسب حب الآخرين بدلا عن تحويل جام غضب المسلمين على أعدائها. الاميركيون يدعون لقيم ينظر إليها البعض كونها غريبة عليهم وتتهدد النظام التقليدي السائد. ويمكن القول هنا إننا لا نستطيع ان نغيّر ما نحن عليه، ولا نريد ذلك أصلا. ولكن ما يمكن ان نفعله هو فضح وتعرية أعدائنا من الإسلاميين المتطرفين وكشف حقيقتهم. سكان أفغانستان والأنبار توصلوا إلى حقيقة «القاعدة» لكنهم سلكوا طريقا صعبة للوصول إليها. هناك حركات إسلامية أخرى نشرت مبادئها من خلال النشاط العسكري والعمل الخيري، وهذا سبب كسب «حماس» و«حزب الله» قدرا من التأييد الشعبي في المناطق التي تسيطران عليها، وهذا جانب غير موجود في منهج «القاعدة» وحركة طالبان. إذ ان كسب مشاعر وعقول الآخرين يعني لديهما «يجب ان تتفق معنا وإلا...» هذا هو السبب فيما يبدو في تخلي واشنطن عن منهجها السابق القائم على أساس «اما ان تكون معنا أو ضدنا».

إذا كنت مسؤولا عن توجيه حملة المعلومات الاستراتيجية الاميركية، فإنني سأنفق الإمكانيات المادية المتاحة في جمع صور للمسلمين الأبرياء الذين قتلتهم «القاعدة» مع وضع الآيات القرآنية التي تحرم مثل هذه الممارسات تحت كل صورة ونشرها في كل الصحف وبثها في كل محطات التلفزيون في العالم الإسلامي. ربما لا تكون واشنطن قد خسرت الحرب على الإرهاب، لكنها لا تفعل كل ما بوسعها للانتصار.

* ترأس دراسة حول تنظيم «القاعدة» للبنتاغون جرت خلال الفترة من 2003 حتى 2005.خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»