بنظير بوتو

TT

اغتيلت بنظير بوتو وهي في وطنها ووسط أهلها ومؤيديها، فما هي الرسالة التي أراد من اغتالوها توصيلها إلى الشعب الباكستاني؟! لقد جمعني أكثر من لقاء ومناسبة بالسيدة بنظير بوتو، ولي أصدقاء على صلة وطيدة بها، ويجمع الكل على أن هذه السيدة كانت تتمتع بالذكاء الحاد والشجاعة النادرة وملأ قلبها حب كبير لوطنها، وكانت على صلة جميلة بكل أصدقائها وأبناء وطنها حتى وإن اختلفوا معها؛ ولذلك أحبها الجميع. التقيت بها لأول مرة عام 2002، وكان هذا اللقاء في لندن نظمته الأكاديمية الأمريكية للأبحاث وهي تدعو حوالي 30 شخصية لها تأثير عالمي سواء في الفن أو السياسة للالتقاء بحوالي 500 شاب من المتفوقين في العالم كله وتقوم هذه الشخصيات المختارة بالحديث إلى هؤلاء الشباب عن تجارب الفشل والنجاح في حياتهم وكيف استطاعوا أن يصلوا إلى العالمية، وكان ضمن المدعوين معي العالم المصرى د. أحمد زويل وخمس شخصيات أخرى من الحاصلين على جائزة نوبل، بالإضافة إلى المشاهير مثل جورباتشوف، وصوفيا لورين، ورالف فايس الذي مثل الدور الأول في الفيلم المعروف «المريض الإنجليزي» English Patient، والعديد من الشخصيات الأخرى، وبنظير بوتو. وكنا نعقد لقاء مع الطلاب ونشرح لهم بعض إنجازاتنا وتجاربنا في الحياة. وعندما تحدثت بنظير بوتو قالت إنها ارتكبت خطأين في حياتها، الأول هو أنها كانت لديها فرصة كبيرة لأن تقيم السلام بين باكستان والهند وللأسف لم تأخذ بهذه الفرصة واستمرت الحرب بين شعب واحد وهو شعب القارة الهندية (الهند وباكستان) وقالت إنها نادمة على عدم استغلال هذه الفرصة. أما الخطأ الثاني، فهو اختيار زوجها.. وهذا الاختيار جعلها تخسر الكثير سياسياً، وكان الجميع ينصت إليها وهي تتحدث بكل صدق، وفي اليوم الأخير أقيم احتفال جميل داخل أحد قصور لندن القديمة وقامت الممثلة المشهورة أوليفيا هابلاند، التي قامت بالدور الثاني في الفيلم الشهير «ذهب مع الريح» مع فيفيان لي، وكلارك جيبل، بتقديم المشاهير بصوت جميل، وبعد ذلك قدموا لنا الدرع الذهبي تقديراً لكل عالم أو فنان أو سياسي حضر ذلك الحفل الرائع الذي لن أنساه أبداً وخاصة لقائي بالمناضلة البارعة بنظير بوتو.

وعندما سافرت إلى مدينة Laketahoe بولاية نيفادا لإلقاء محاضرة لأصدقاء نانسي بنز وجدت أن المدعوة الأولى التي جاءت إلى المدينة السيدة جيهان السادات، وفي عام 2004 حضرت بنظير بوتو إلى المدينة ولم تتسع مدرجات الجامعة للحضور، ولذلك أقاموا لها خيمة في فناء الجامعة حضر فيها حوالي ألف مدعو، وتحدثت عن نضالها وعن تمنياتها لمستقبل باكستان. وقامت صداقة قوية بين نانسي بنز وبنظير بوتو حتى ان نانسي كانت تتكلم دائماً معنا عن صديقتها بنظير بوتو ونسخت صوراً لها وأرسلتها إلى كل من كان يعرفها وأنا واحد منهم. وكانت كل صورها تظهرها بالطرحة الجميلة البيضاء ونظارتها الجميلة التي كانت تعطي لها نظرة طيبة للمناضلة الجميلة التي أحبها أهل باكستان بل وأحبها الملايين في كل مكان.

وهكذا الإنسان دائماً يذهب إلى أقداره كما تأتي الأقدار دائماً إلى الإنسان. فقد فضلت بوتو أن تعود إلى بلادها للمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية. ورغم تحذيرات الأمن الباكستاني بوجود مخاطر على حياتها إذا ما قامت بمسيرات ومؤتمرات سياسية، ورغم نجاتها من محاولة اغتيال راح ضحيتها أكثر من مائة وثلاثين شخصاً، إلا أنها أصرت رغم التحذيرات إلى الذهاب لأقدارها..

www.guardians.net/hawass