100 دولار لبرميل النفط.. نعمة أم نقمة؟

TT

مع استعداد وزراء منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) للاجتماع، تتزايد الضغوط على المنظمة، التي تضم 13 دولة لزيادة الانتاج بـ 1.2 مليون برميل يوميا. ومن المؤكد يكرر المعنيون بالأمر، ان النفط ليست له علاقة بالسياسة. الا انه مع وصول الاسعار الى مائة دولار للبرميل، فإن الدور السياسي الذي يلعبه النفط في السوق العالمي، اكثر وضوحا من ذي قبل. هناك وقت، ليس بالبعيد، كانت تعتبر فيه اوبك الشرير في الاقتصاد الدولي، وحشا بـ13 رأسا يستخدم مخالبه القاتلة للحصول على آخر قطرة من الدم من المستهلك، الذي لا يملك وسيلة للدفاع. أما الان، فإن العديد ينظرون الى اوبك باعتبارها منقذا محتملا، في الوقت الذي يقترب فيه الاقتصاد العالمي من الركود.

لقد جذب رقم مائة دولار خيال العالم لأنه، جزئيا، اكبر رقم يمكن للكثير من الاشخاص العاديين استيعابه. الا ان الرقم له اهمية لسببين آخرين. الاول هو انه يظهر نقلة في طاقات المضاربة من المنتجات المالية الى الموارد الطبيعية. المضاربون على العملات الذين واجهوا المشاكل في المضاربة على الدولار ضد اليورو، ومقدمو القروض الاسكانية الذين لا يزالون يعانون من انهيار قروض الاسكان بلا ضمانات، وسحرة صناديق التحوط الذين فقدوا قدراتهم السحرية، وبارونات الذهب الذين شاهدوا وصول اسعار الذهب لأعلى معدلات لها، ينظرون كلهم للنفط، وغيره من المواد الخام، كمادة لأحلامهم الجديدة. وأضف الى كل ذلك المشاكل التي عانت منها المصارف الكبرى، وستجد لماذا ينظر العديد من المستثمرين الى النفط كاستثمار على المدى المتوسط. وكما لاحظ وزراء اوبك في اخر مؤتمراتهم، لا يوجد سبب موضوعي للارتفاع الحالي في اسعار النفط. في البداية لا يوجد نقص في الامدادات. ففي الوقت الذي زاد فيه استهلاك النفط بمتوسط سنوي يصل الى مليون برميل يوميا، فإن قدرة الانتاج الاجمالية زادت ثلاث مرات تقريبا. وبكلمة اخرى، هناك نفط متوفر لكل من يريد. وإذا اضفنا الى ذلك احتياطات الغاز غير المستغلة، فإن الصورة تصبح اكثر تأكيدا. (يوجد لدى ايران تقريبا احتياطات كافية من الغاز الطبيعي لتلبية احتياجات الاتحاد الاوروبي لأربعة قرون). كما لا توجد اية اشارات على اية زيادة درامية في الطلب. وحقا تظهر كل من الصين والهند طلبا شديدا على النفط، وهو دليل على استمرار نمو اقتصاديهما. وعلى الرغم من ذلك فلسنا بعيدين عن الزيادة المتوقعة في الطلب. ويرجع ذلك جزئيا الى توفير الطاقة وازدياد الوعي بتغييرات الطقس، وهو ما دفع العديد من الدول من بينها عدد من الدول النامية الى الحد من طلبها على النفط الخام. والسبب الثاني وراء اهمية وصول سعر النفط الى مائة دولار هو انه يعتبر محركا ضخما لعدم المساواة عالميا. فالدول الغنية يمكنها دفع مائة دولار للبرميل الواحد او اكثر ـ على الاقل على المدى القصير ـ لأنه بامكانها تمرير تكلفة الزيادة عبر رفع اسعار الصادرات. وبالنسبة للاقتصاديات الناشئة، مثل الصين والهند والبرازيل ونصف دستة من الدول في اميركا اللاتينية وآسيا، فإن ذلك يعتبر تقدما اقتصاديا، بسبب تكلفة العمالة المنخفضة التي تقضي على ارتفاع الاسعار.

وتدرس الصين والهند الكثير من الخطط لوقف استثماراتهما في مجال البنية الاساسية، ومن بين ذلك المشاريع المرتبطة بالضمان الاجتماعي. ويعني ذلك ان احلام اخراج المزيد من الناس من دائرة الفقر قد تلاشت، على الاقل في الوقت الراهن. وكما هو الامر دائما، ستعاني الدول الاكثر فقرا معاناة اكبر. فأسعار النفط الجديدة ستقضي على تأثيرات التخلص من الديون الاخيرة المفروض انها ستساعد 13 دولة من افقر دول العالم. اما الـ24 دولة التالية في قائمة افقر الدول فستضطر الى زيادة الدين العام لدفع نفقات زيادة اسعار النفط. أما السبب الثالث وراء اهمية وصول سعر البرميل الى مائة دولار هو انه يمكن ان يؤدي الى عدم استقرار اقتصاديات دول اوبك.

ان تذبذب اسعار النفط امر سيئ بالنسبة لدول اوبك، كما هو بالنسبة لأي شخص اخر، فيما عدا المضاربين.

وواحد من تأثيرات تذبذب اسعار النفط هو ان دول اوبك غير قادرة على تطوير سياسات استراتيجية.

وقد اشار علي النعيمي وزير النفط السعودي المخضرم، ذات مرة الى ان كلا من ارتفاع السعر وانخفاضه امر خطير بالنسبة لأوبك. وأوضح «الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها لأوبك الاستفادة من هذه التجارة هي بيع النفط بالسعر المناسب».

ولكن ما هو السعر المناسب؟ طبقا للنعيمي، السعر المناسب هو مثل النغمة المناسبة في الموسيقى، تعرفها عندما تسمعها ولكن لا يمكنك وصفها مسبقا. ويعني ذلك ان مائة دولار خطأ مثل 25 دولارا. فسعر 25 دولارا لبرميل النفط لا يشجع الاستثمارات في العثور على حقول جديدة واستمرار الحقول القائمة في الانتاج بأعلى طاقتها. فمتوسط تكلفة برميل النفط المطروح في الاسواق هو 10 دولارات. (يحتاج قطاع النفط الى مائة مليون دولار يوميا للحفاظ على مستويات الانتاج الحالية). وإذا ما استمر السعر الحالي لفترة معينة من الوقت، فإن مائة دولار يمكن ان تجعل الاستثمار في الطاقة البديلة مربحا. وهو بالتالي يمكن ان يشجع الابتعاد على المدى الطويل من الوقود الاحفوري، وهو ما سيترك عددا من دول النفط بموارد غير مستخدمة. وهو ما يحدث حاليا بشكل اقل في مجال مناجم الفحم التي اغلقتها مارغريت ثاتشر في بريطانيا قبل ثلاثة عقود، والتي بدأت تعود للانتاج. وعلى مدى اكبر فإن تجدد حظوظ الطاقة النووية يشير الى القلق بخصوص زيادة اسعار النفط الخام. وفي 6 اسابيع مضت فقط، وقعت 9 دول اتفاقيات على بناء محطات طاقة نووية، بينما اعلنت بريطانيا خطة لزيادة محطاتها النووية ثلاث مرات.

وانخفاض اسعار النفط سيمنع دول اوبك من استيراد البضائع والخدمات بالمستوى الذي تحتاجه لتحديث اقتصادياتها، بل والاستثمار في اقتصاديات زبائنها. والسعر المرتفع، يمكن ان يؤدي الى ركود اقتصادي في الاقتصاديات الكبرى، مما يؤدي الى انخفاض الطلب على الطاقة. وعلى الرغم من ان هوغو شافيز يحلم بشراء قيادة اميركا اللاتينية بالثروة التي هبطت على بلاده، فإن سعر مائة دولار سيئ للجميع، بما في ذلك اوبك. والمستفيد الوحيد من هذا السعر هم المضاربون، الذين يمارسون نسخة عصرية من القرصنة تعطي الرأسمالية اسما سيئا. ويمكن لأوبك المساعدة بالحفاظ، وإذا ما لزم الامر، زيادة معدلات الانتاج الحالية. والدول المستوردة الاساسية، لاسيما الولايات المتحدة، يمكنها المساعدة بالإفراج عن احتياطاتها للقضاء على امكانية حصول أي مشاكل في الامدادات.

وواحدة من الطرق للتعامل مع هذا الموقف المصطنع، هو، ربما فرض ضريبة عالية على المضاربين. وواردات تلك الضريبة يمكن ان تخصص لصندوق دولي يستخدم لتخفيض اسعار النفط اذا ما وصلت الى سعر معين. والإصرار على انه اذا ما كنا نعتقد بحرية الاسواق، فيجب ان نسمح للمضاربين بالحرية، امر ساذج. فالولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الاوروبي تعمل على طرح سلسلة من الاجراءات للتعامل مع صناديق التحوط والمضاربين الذين خلقوا ازمة القروض الاسكانية بلا ضمانات. وبنفس المنطق، فعليهم اتخاذ اجراءات لمنع عدة الاف من الناس من اثارة الفوضى بالتلاعب في اسعار النفط. ويجب ان تساعد اوبك الامر بزيادة الانتاج. ولكن يجب على المستهلك الرئيسي للنفط المساعدة بالحد من نشاط المضاربين.