ثريا قابل.. سيدة المفردات الجميلة

TT

من أبرز معالم مدينة جدة شارع قابل وثريا قابل، فكلاهما يعبر عن نكهة هذه المدينة ورائحة تاريخها.. والحديث عن شارع قابل بأنسه وناسه حديث مشوق، لكن الأكثر تشويقا منه الحديث عن الشاعرة ثريا قابل، فحينما ظهر ديوان هذه الشاعرة «الأوزان الباكية» في بداية عقد الستينات من القرن الماضي أثار ضجة إعلامية في حينه لم يثرها ديوان من قبل، حتى لقبها الأديب السعودي الكبير محمد حسن عواد بخنساء القرن العشرين، لكن هذه الشاعرة التي بدأت شهرتها من خلال الشعر الفصيح حققت شهرة أكبر حينما التقت بالمطرب والملحن الراحل الكبير فوزي محسون، فعلى الرغم من أن كبار الفنانين السعوديين أمثال: طلال مداح ومحمد عبده تغنوا بشعر ثريا، إلا أن كلماتها ارتبطت ارتباطا وثيقا بصوت فوزي محسون وبألحانه، حتى أنها برحيله استسلمت لعزلة فنية تثير التساؤلات..

أذكر أنني سألت الفنان فوزي محسون قبل رحيله هذا السؤال:

ـ لماذا ثريا قابل؟

فكان كمن يتوقع السؤال، ويحفظ إجابته، فقال بتلقائية:

ـ «أين لي بشاعر يمنحني كل هذا الإحساس كما تفعل ثريا؟!»..

ثم راح يستشهد بأشهر نصوصها «من بعد مزح ولعب.. أهو صار حبك صحيح»، الذي تقول فيه:

«أخجل إذا جات عيني

صدفة في عينك واصير

مربوك وحاير في أمري

من فرحي أبغى أطير».

حينما زرتها في دارها قبل عام برفقة الأديب والإعلامي المعروف عبد الله مناع ظننت أن ثريا قد توقفت عن الشعر الغنائي برحيل فوزي محسون، لكنها فاجأتنا أنها لم تزل تكتب الشعر الغنائي ويكتبها، ولكنها تبحث في ذاكرة الوجدان عمن يصوغه لحنا له نكهة المكان كما كان يفعل فوزي محسون، وحينما لم تجد تطوي أوراقها إلى صدرها من جديد، وتبدأ في انتظار حدوث الذي لا يحدث إلا مرة واحدة في العمر، أن تلتقي بفوزي محسون آخر يسافر بشعرها في وقار إلى آذان «سميعة» حقيقيين، يشتاق إليهم الزمن كما تشتاق هي.. فهل يتسع عصر «التيك أواي» لشعر كشعر ثريا يحتاج مستمعه إلى مناخات من «سلطنة» الطرب يصعب استحضارها في زمن «النطنطة» والاستماع بالعيون؟!

ثريا يا شاعرة الزمن الجميل نشتاقك، ومع هذا لا نطالب بحضورك، فليل الفن داج، ومثلك لا يليق به سوى صباح.

[email protected]