حقوق ولصوص

TT

وضع الكاتب البريطاني «اندرو ليست» كتابا جديدا عن سيرة السير ارثر كونان دويل، مؤلف الشخصية البوليسية التاريخية شرلوك هولمز. وخلال اعداد الكتاب اصطدم بحاجز لم يكن يخطر له: لا يسمح له بنقل بعض اقوال دويل، حتى لو كانت منشورة، لأنها تقع ضمن حقوق ورثة الكاتب، الذي توفي العام 1930. وتقضي القوانين البريطانية بحفظ الحقوق 70 عاما بعد موعد صدور المؤلفات، بينما تقضي القوانين الاميركية ببقاء الحقوق 70 عاما بعد وفاة المؤلف.

صدرت عن احدى دور النشر العربية قبل حين ترجمة لكتاب ماتع بالفرنسية عن آخر ايام الملك فاروق وأول ايام الرئيس جمال عبد الناصر، وضعه كاتب مصري من اصل فرنسي. وفوجئ المؤلف بصدور النسخة العربية دون علمه. وفوجئ بالاخطاء والاختصارات والتصرف وقلب المعاني. وكلف محاميا بمتابعة المسألة. ماذا كان الجواب؟ قيل للمحامي يا مولاي: بدل ان يشكرنا صاحبك على اننا نذيع شهرته في العالم العربي، يطالبنا بحقوق النشر؟ وقال المحامي ان صاحبه لا يطلب ولا يريد شهرة في العالم العربي ولا في اي لغة اخرى، بل يريد ثمنا لجهده وعمله وللسنوات التي امضاها في البحث والكتابة. وتغيرت لهجة الناشر، وقال: «عذرا. لكننا لا نملك اي مال ندفعه».

تسمى حقوق النشر حقوقا، من اجل حمايتها من الاعتداء. تماما مثل حماية الارض او الحرية الشخصية. وسرقة المؤلفات لا تختلف كثيرا عن سرقة البنوك او الدكاكين، سواء بالسطو او بالتسرق. واحد اهم اسباب تمنّع المؤلفين العرب عن النشر هو الخوف من السرقة المعلنة. وقد روى الدكتور روحي البعلبكي صاحب قاموس «المورد» ان الناشر العربي يجب ان يكون شرطيا وناشرا في وقت واحد. وان الناشر ـ والمؤلف ـ يتكبدان المال والجهد ويأتي الحرامية ويسرقون كل شيء تحت اعين رجال «القانون» في بلدانهم. بل ان بعض الدول تعتبر سرقة حقوق النشر امرا عاديا له ما يسوغه ويبرره، كمثل نشر الثقافة، ولا يهم ان ينشر معها ثقافة السرقة، وتقاليد السطو.

قلة الادب هذه في عالم الاداب ليست مسؤولية السارقين. فهؤلاء مهنتهم السرقة حيث امكن. لكنها مسؤولية الحكومات التي توقع المعاهدات وتحضر المؤتمرات وتطلق الوعود، ثم تشارك في السرقة والسطو. لا تزال بلدة بشري اللبنانية تتقاضى ملايين الدولارات كل عام من ريع كتب جبران خليل جبران. وهو لو عاش وكتب ومات هنا لكان سرق حيا وميتا. وشتم حيا وميتا. وطلب اليه الدخول في ميليشيا والا اعتبر خائنا للقضية. لكنه، من نواح عدة، كان حسن الطالع.