أوباما: المرشح .. والكاتب

TT

كان وعد الحملة الرئاسية لباراك أوباما، انها ستتجاوز السمات العرقية والآيديولوجية القديمة للقضايا السياسية الأميركية. ووصف أوباما في بعض الأحيان بأنه «ما بعد عرقي» أو «تايغر وود السياسة»، شخص تحدى خطوط التقسيم المألوفة، وبذلك المعنى يمكن أن يكون بلسما شافيا وموحدا. وقد كشف الأسبوع الماضي عن أن العرق ما يزال قضية في الحملة. فقضية ما كان يعنيه آل كلينتون في تعليقاتهما حول مارتن لوثر كينغ أو قصة أوباما الخيالية حول العراق، جرت المبالغة فيها ولكن السؤال الأعمق لهوية أوباما العرقية لم يبالغ فيه. فهو أول اميركي أفريقي لديه فرصة للفوز بالرئاسة، ويعامله كثير من السود، في الوقت الحالي، باعتباره رمزا للاعتداد والهوية العرقية. ووسط حساسيته المتصاعدة فإن التصادم الذي يعتبر مألوفا في الحملات السياسية ينظر اليه باعتباره دليلا على عدم الاحترام. ومن حسن الحظ ان لدينا أوباما لفك الخيوط العرقية. أنا لا أعني المرشح الذي نراه على منصة الخطابة، وإنما الشخص الذي كتب الكتاب. فكتاب أوباما الموسوم «أحلام من أبي» يعتبر واحدا من أفضل كتب السيرة الذاتية السياسية التي قرأتها، وهو يستحق ان يكون كلاسيكيا حديثا حول موضوع اللحظة، أي العرق والهوية.

ويدور الكثير من كتاب أوباما حول سعيه الخاص لفهم حياته، باعتباره طفلا ممتزج العرق لأب افريقي وأم بيضاء. وهو يصف صراعاته الأولى في فترة المراهقة في «محاولة تنشئة نفسي لأكون رجلا أسود في أميركا. كنت أعيش حياة مراهق أسود كاريكاتورية». ويجري الاستشهاد بهذا الكتاب في الأيام الحالية بسبب مناقشة أوباما الصريحة لاستخدامه المخدرات في السنوات التي كان يتعامل فيها مع غياب والده وهويته غير المؤكدة. وهذا الكتاب صادق جدا وممتع تماما ويتميز بالمعرفة الذاتية، بحيث ان المرء يتوصل الى التفكير بأن أوباما هو ذلك النوع النادر من السياسيين الذي يفهم نفسه بصورة اصيلة. ومن المؤكد انه بحلول الوقت الذي كتب فيه ذكرياته الثانية الموسومة «جرأة الأمل» كان أوباما أكثر في مزاج القاء الخطب.

ويجعل أوباما في «أحلام من أبي» واضحا على نحو لا لبس فيه بأنه يجلب هبة قيمة أخرى الى عالم السياسة، بالإضافة الى ارثه الأميركي الأفريقي. وتلك هي هويته ارتباطا بما يسميه علماء الاجتماع «طفل ثقافة ثالثة» قضى سنوات تكوينه في الخارج. وتقول الصحفية لي أيتكن، التي درست الظاهرة عندما كانت تحرر بابا خاصا للأسر التي تعيش في الخارج يسمى «الوطن المهاجر» في صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون، تقول ان أوباما يقدم مثالا على الكثير من مآثر الثقافة الثالثة هذه. ويتعلم اطفال الثقافة الثالثة كيف يشقون طريقهم في محيط غير مألوف. وتوضح الراحلة روث هيل يوسيم، وهي استاذة علم اجتماع سابقة في جامعة ولاية ميتشيغان درست اطفال الثقافة الثالثة خلال عقود «انهم يتكيفون، ويجدون موقعا، ويغامرون، ويفشلون وينهضون من كبوتهم ثانية. وتخفي مظاهرهم المموهة وطرقهم غير المقيمة في تقديم انفسهم حياتهم الداخلية الغنية». وفي استطلاعات للرأي قال ما يزيد على 80 في المائة، انهم يمكن أن يقيموا علاقة مع الجميع بغض النظر عن العرق أو القومية. وهذا الصوت للساعي والمتكيف هو الذي تجده في كتابات أوباما. وعندما يصف السنوات التي كان ما يزال يحاول فيها ايجاد نفسه «مثل سمكة سالمون تسبح بصورة عمياء ضد التيار، متجهة الى المنشأ»، يقول انه كان يبحث عن هوية كناشط ومنظم في مجال الحقوق المدنية.

وهذا هو الصوت الذي تمنيت أن اسمعه، عندما كان معسكرا كلينتون وأوباما يتبادلان نقاط الهجوم حول العرق والجنس. ولدى كلينتون قصة ترويها حول كفاحها من اجل الهوية، كما يفعل أوباما على وجه التحديد. على صعيد العرق أرغب في ان أصغي الى أوباما، وليس الخبراء الاعلاميين في حملته. فرحلته ملهمة اذا لم يضيع نفسه في مسار الحملة.

* خدمة مجموعة «كتاب واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)