أميركا: الوقت تأخر لمنع الدخول في كساد اقتصادي

TT

المكسيك والبرازيل والأرجنتين، والمكسيك ثانية. تايلاند واندونيسيا والأرجنتين مرة أخرى. والآن الولايات المتحدة.

ظلت الحكاية تتكرر خلال الثلاثين عاما الماضية. ويشعر المستثمرون الدوليون بالخيبة من العوائد التي يحصلون عليها، وهم يبحثون عن بدائل. ويظنون أنهم عثروا على ما يبحثون عنه في بعض البلدان وأن الأموال ستبدأ بالهطول عليهم.

لكن في الأخير أصبح واضحا أن فرص الاستثمار ليست مثلما كانت تبدو، والأموال راحت تتسرب من الأيدي مع عواقب وخيمة لما كان مفضلا ماليا. هذه هي الحكاية عن الأزمات المالية في أمريكا اللاتينية وآسيا. وهي حكاية الولايات المتحدة مضاعفة بفقاعة بطاقات الائتمان وأسعار البيوت. وهذه الأيام نحن نلعب دورا كان خاصا بالعالم الثالث.

تعود الأزمة المالية الحالية على المستوى العالمي إلى بن برنانكي، ففي خطاب مؤثر ألقاه في عام 2005 قبل أن يصبح رئيسا لبنك الاحتياطي الفيدرالي طرح برنانكي سؤالا جيدا: لماذا تستدين الولايات المتحدة التي تعد أكبر اقتصاد في العالم بشكل كبير من أسواق رأس المال الدولية بدلا من أن تقوم بإقراض الآخرين؟ وكان جوابه هو أن اقتصادات العالم الثالث التي كانت مفضلة لدى المستثمرين في الجزء الأكبر من التسعينات اهتزت بعد سلسلة من الأزمات التي بدأت عام 1997. ونتيجة لذلك فإنها تحولت من أن تكون مكانا لاستقبال رؤوس الأموال إلى مصادر لرؤوس الأموال، حيث بدأت حكوماتها بتكديس مدخرات احترازية في شكل أرصدة خارج حدودها.

والنتيجة كانت حسبما قال برنانكى هو «بروز تخمة عالمية» حيث أصبحت الكثير من الأموال غير قادرة على التحرك إلى أي مكان آخر.

وفي الأخير ذهب الكثير من الأموال إلى الولايات المتحدة. لماذا؟ وهذا يعود حسب برنانكي إلى «عمق وتطور أسواق البلد المالية».

كل ذلك كان صحيحا عدا شيء واحد: أسواق الولايات المتحدة غير محكومة بالتطور بقدر ما هي محكومة بالسفسطة. بصيغة أخرى، لم تكن الولايات المتحدة المكان المناسب لاستقبال فوائض الأموال. بدلا من ذلك كانت مكانا سيئا للاستثمار الواسع. وسواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر فإن قدوم رؤوس الأموال للولايات المتحدة من مستثمرين عالميين آلت إلى انفجار فقاعة قطاع السكن وبطاقات الائتمان.

يمكن القول إن الإثم الحقيقي الذي وقعت به إدارة بوش وبنك الاحتياط الفيدرالي هو الفشل في القيام بمراقبة ناضجة للأسواق وهي تنطلق في عملها بشكل صاخب. إذ لم يفعل ألان غرينسبان أكثر من القول إن سوق العقار هو مجرد فقاعة عابرة وحقيقة فان النظام المالي الأميركي قد تنامى إلى كيان أكثر تعقيدا، كذلك فإنه تجاوز بنموه إطار الضوابط المصرفية التي كانت تحمينا، وبدلا من السعي إلى تجديد إطار العمل لم نقم بشيء سوى التسبيح لعظمة الأسواق الحرة.

حتى الآن، يجد برنانكي نفسه في أزمة إدارية حقيقية في مساعيه للتعامل مع الفوضى التي تسبب بها سلفه. وأنا لا مشكلة لدي مع شهادته التي قدمها أمس على الرغم من أنني أظن أن الوقت قد أصبح متأخرا جدا لمنع الدخول في كساد اقتصادي.

لكن لنأمل أنه حينما تهدأ الأمور قليلا أن يتصدر برنانكي النقاش حول الحاجة إلى ما يجب فعله لنظام مالي سار في طريقة مغلوط بشكل كبير جدا.

*خدمة «نيويورك تايمز»