مفاجأة الهند

TT

في عالم صناعة السيارات هناك مراحل مفصلية هامة، وسيارات بعينها أثرت على النمط الاستهلاكي لهذه السلعة الحيوية. فالتاريخ لا يزال يتذكر بوضوح النموذج T الذي قدمته شركة فورد الأمريكية، والذي كان بمثابة نقلة نوعية في أسلوب التصنيع، إذ كان أول نموذج يتم تصنيعه بطريقة خط التجميع. وبعدها بفترة طويلة أطلقت ألمانيا سيارات الشعب «فولكس واجن» وتحديدا نموذج «الخنفساء» الذي كان بمثابة ثورة في التصميم والانسيابية، وبعدها قدم اليابانيون بنماذجهم المشهورة مثل «كورولا» من تويوتا و«سيفيك» من هوندا، اللتين كانتا بمثابة مفاجأة مذهلة من جهة توفير الوقود والمواصفات غير المكلفة، وبعدها طبعا جاءت النماذج الهايبرد التي تعتمد على ثنائية الطاقة (العادية النفطية والكهربائية). والآن تأتي شركة «تاتا» الهندية للسيارات لتطلق للعالم نموذج «نانو» لتصبح أرخص سيارة في العالم بقيمة 2500 دولار أمريكي فقط، محطمة بذلك كافة المعايير السحرية السابقة بامتياز، إذ أن سعر السيارة الحالي أقل من قيمة بعض الإضافات والمزايا على السيارات التقليدية. وهذه السيارة المسعرة هي بدون مقود آلي وبدون مكيف هواء تنتج عوادم في الهواء أقل مما تنتجه دراجة نارية تقليدية. ولكن هذا النموذج سيكون «الحل» المثالي لكل من يرغب في اقتناء سيارة ولم يكن قادرا على ذلك، ولكن مع هذا التمكين ستتحول الكثير من عواصم ومدن العالم الثالث إلى غابة مكتظة من المحركات (أكثر مما هي عليه الآن) وسيستوجب التعامل مع تحديات البيئة من زحام وتلوث وغيرها إلى آليات جديدة وغير مسبوقة مما سيكون عنصر إرهاق وتكلفة على الحكومات والأجهزة الرسمية بمختلف أشكالها. وطبعا ستلجأ دول أخرى كالصين وكوريا وروسيا إلى تقليد النموذج الهندي هذا، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة.

في ظل أوضاع «نفطية» مكلفة جدا ستلجأ شركات السيارات إلى المزيد من الحلول الجديدة لتصغير حجم السيارة ورفع قدرة توفير الوقود فيها، ولكنها في واقع الأمر إنها بذلك تؤدي لمزيد من استهلاك السيارة بأعداد غير مسبوقة، مما يعني أن سيناريو ارتفاع الأسعار للنفط قد يكون مرشحا للاستمرار خاصة أن معظم السيارات المنتجة حديثا ذات الأسعار المتدنية تعتمد على الطاقة القديمة.

مفاجأة الهند التي قدمتها «تاتا» (وهي التي تملكت شركتي جاكوار ولاندروفر البريطانيتين)، ستكون بمثابة صدمة لصناعة السيارات التقليدية أو هكذا يراهن الخبراء.

[email protected]