فيلم ضد القرآن

TT

اكتشف المتطرفون المعادون للعرب والمسلمين كيف يمكن حك جلدهم من اجل استفزازهم. استدلوا على حساسية المسلمين من خلال سلسلة اعمال ادبية وسينمائية ورسوم كاريكاتورية استثارت غضبهم الى درجة القتل والحرق والفوضى العارمة. وخلال السنوات القليلة الماضية وقع صدام ثقافي شعبي، مثل التعريض بالرموز الاسلامية من جانب، وردود دموية عليه من الجانب الآخر. خلالها نجح المتطرفون في خلق واقع جديد يدفع الى كراهية المسلمين في انحاء العالم، لا في اوروبا فقط. وقد يبدو غريبا أن يتم التعريض بالمسلمين، وفي نفس الوقت يصبحون هدفا للكراهية، كيف يمكن ذلك؟

في المناسبات التصادمية الماضية ظهر المسلمون على أنهم لا يحترمون حرية التعبير المقدسة عند الغربيين، فقبل ثلاث سنوات اتهموا بقتل مخرج هولندي لأنه انتج فيلما ناقدا للرؤية الاسلامية حيال المرأة. وقبل عامين سارت مظاهرات حرقت فيها ودمرت ممتلكات بسبب رسوم كاريكاتورية نشرتها صحيفة مغمورة في الدنمارك. غيرت تلك الاحداث آراء كثيرين بمن فيهم مدافعون عن الاسلام، خاصة في معسكر اليسار الاوروبي والجماعات الحقوقية، وانقلبوا ضد القضايا العربية والإسلامية بسبب تلك الحوادث. كتبت الصحف كثيرا نقدا قاسيا للاسلام، ونتيجة لهذا الطرح لم يعد صعبا إفساد العلاقة بين الجاليات المسلمة والدول التي يعيشون على أرضها، وتخريب مجمل العلاقة حتى خارج الحدود.

نحن الآن بصدد أزمة جديدة لأن احد السياسيين المتطرفين الهولنديين يزمع انتاج فيلم ضد القرآن. من المؤكد انه سيستفز مشاعر المسلمين، وهذا هو ما يريده. يريد دفع المسلمين للظهور بمظهر المتطرفين الخطرين أمام كاميرات التلفزيون، ويتمنى أن يرتكبوا أكبر قدر ممكن من الفوضى لدفع الرأي العام نحو استصدار تشريعات تضيق عليهم. فقد اكتشف ان المتطرفين المسلمين هم خير حلفائه، يعملون مثل كتيبة لصالحه. لسنوات طويلة عجز المتطرفون اليمينيون المعادون للأجانب بشكل عام، والمسلمين بشكل خاص، عن استصدار قوانين تضيق عليهم. الآن اكتشفوا ان نقد قضايا دينية يكفي لإثارة التوتر، وخلق رأي عام ضد المسلمين. وهناك على الجانب الاسلامي أيضا تجد من يبحث عن مناسبة للظهور بمظهر المدافع البطل ردا على فيلم او صورة او مقال، فتمنحه الأهمية والشعبية، كما رأينا في قضية الرسوم الدنماركية.

الحقيقة المنسية ان الهجوم على الاسلام، مهما كان ظالما، يعطي فرصة للحديث عنه بشكل إيجابي أيضا. فهناك جمهور كبير من الناس يصبحون اكثر استعدادا للتعرف عن قرب على الموضوعات ذات الجدل. والحرية في الغرب تتيح فرصة ثمينة لمن أراد أن يعرض وجهة نظره، ان يروج لفكرة او يبيع بضاعة، حيث لا توجد حكومات تمنع، أو كنائس تحرق، بل ساحة مفتوحة للجدل طالما انه نقاش بلا سكاكين.

ويكون الرد على فيلم النائب الهولندي اليميني المتطرف فايلدرس بنفس الطريقة، الدخول في المناظرات التي سيتيحها الفيلم رغما عنه. فوسائل الإعلام ستهتم بنقاش الموضوع، وستعطي الفرصة للمثقفين المختصين في الشأن الاسلامي بتقديم وجهات نظرهم حول القرآن. هكذا ترد على الاساءة بالاستفادة من مناخ الحرية لا مقاتلتها. فالغرب لا يمكن، ولا يستطيع، منع المتطرفين من إصدار أفلام ورسوم ضد الاسلام، لأنه يسمح بها ضد المسيحية واليهودية. قوة الإسلام في قدرته على الانتشار بالحوار والإقناع لا بالحرق والاغتيال.

[email protected]